مستجدات متسارعة على الساحة السورية، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، فالفوضى باتت عارمة، والسلاح يباع كالسلع في الشوارع، وأعمال السرقة والنهب باتت تطول المنازل، والبنوك، لتصبح الأوضاع في دمشق بمثابة إعادة لمشاهد ربما تكررت كثيرا في العقد الماضي، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وما تلاه من غياب تام للحالة الأمنية، في حين تبقى الأسئلة الأصعب هي المرتبطة بمستقبل البلاد، في ضوء مخاوف كبيرة من صعود النزعة الانتقامية، وهو ما يهدد باندلاع صراع جديد، قد يصل إلى حد الحرب الأهلية، في ظل انتشار كبير للسلاح في الشوارع وحالة التراجع الكبير التي تشهدها الأجهزة الأمنية، وهو ما يمثل خطرا داهما على الدولة السورية ووحدتها.
ولكن بعيدا عن الأوضاع في الداخل، فإن التهديدات القادمة من الخارج تبدو أكثر خطورة، في اللحظة الراهنة، وهو ما بدا واضحا مع الساعات الأولى لسقوط نظام الأسد، في ضوء تحركات قوات الاحتلال وتقدمها نحو الأراضي السورية، واستيلائها على أجزاء منها دون أدنى مقاومة، في ضوء غياب الجيش واحتفالات المسلحين، بينما تبقى الذريعة التي أطلقها مسؤولي إسرائيل هو تأمين الحدود والمواطنين الإسرائيليين، وهي ما تتماهى مع ذريعة الدولة العبرية، التي اعتمدت نهج "الدفاع عن النفس"، في إطار تبرير انتهاكاتها المتواترة، التي ارتكبتها في العديد من المناطق، خلال 14 شهرا، بدءً من غزة، مرورا بلبنان، وحتى اليمن وسوريا، وغيرهم.
ولعل الحديث عن المستجدات في سوريا، فإن التوقيت يبدو ملفتا إلى حد كبير، خاصة إذا ما نظرنا إلى توقيت بدء العمليات العسكرية التي أطلقها المسلحون في سوريا، والتي تزامنت مع وقف إطلاق النار في لبنان، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تحقيق ما أسميته في مقال سابق بـ"ضالة" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي تحقق له ما أراد عبر مسارين، أولهما صرف الأنظار ولو مرحليا عما تشهده أراضي غزة من انتهاكات، وبالتالي مواصلة الخطط المشبوهة الهادفة في الأساس إلى تصفية القضية الفلسطينية، بينما يقوم المسار الآخر على خلق جبهة قتالية جديدة، في إطار رؤية حكومة اليمين المتطرف، في توسيع دائرة الصراع في المنطقة، وهو ما بدأته إسرائيل فعليا مع الساعات الأولى التي أعقبت سقوط الأسد.
وفي الواقع، فإن المستجدات الأخيرة في سوريا تمثل بما لا يدع مجالا للشك خدمة جليلة لنتنياهو وحكومته، في ضوء ما تقدمه من خدمة جليلة له خاصة وأن الصراع اندلع دون تدخل مباشر من إسرائيل، بينما يعطيها الحق في اتخاذ ما تراه من إجراءات لحماية نفسها، في ظل ما تشهده دمشق من عدم استقرار، ناهيك عن كونها خطوة جديدة لإنعاش أحلام تل أبيب في إعادة ذروة الفوضى مجددا إلى المنطقة، عبر استنساخ الصراعات الأهلية التي هيمنت على المشهد الإقليمي خلال العقد الماضي، بعد سنوات من الاستقرار النسبي، والذي مثل كابوسا حقيقيا للدولة العبرية، خاصة بعد ما أسفرت عنه تلك السنوات من حزمة من المصالحات الإقليمية التي لا تصب في صالح إسرائيل مطلقا.
الأوضاع في سوريا وفرت على الدولة العبرية عناء شن هجمات جديدة بنفسها، على محيطها الجغرافي، وهو ما كانت تخطط له، في العراق، بالتزامن مع الحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان، حيث وفرت لها بديلا نموذجيا، لشغل الرأي العالمي عن انتهاكاتها المرتكبة في غزة من جانب، وكذلك خلق بؤرة جديدة للفوضى الداخلية في المنطقة، يمكن الانطلاق منها إلى دول أخرى، من جانب آخر، كما تساهم في توسيع نطاق المعركة وإيجاد جبهة بديلة للجبهة اللبنانية وقتما وكيفما شاء نتنياهو.
وهنا يمكننا القول بأن الحالة السورية في صورتها الجديدة تتماهى مع رغبات حكومة اليمين في إسرائيل، والتي تسعى لخلق عداوات جديدة، بينما تتحرك نحو خلق بؤر للفوضى في الإقليم، حتى يتسنى لها تصفية قضية فلسطين عبر تهجير أهلها والاستيلاء على أرضها، ناهيك عن محاولاتها في إضعاف القوى المؤثرة في الإقليم، وذلك بعدما استعادت بعضها جزء كبير من قوتها، على غرار العراق، والتي حققت انتصارات متتالية في حربها ضد الإرهاب من جانب، مع العمل على تعزيز جبهة الداخل من جانب آخر، جنبا إلى جنب مع سياسات من شأنها تنويع التحالفات، بحيث تنطلق من الهوية العربية، باعتبارها حائط الصد الأول والمدافع عنها ضد أي تهديدات، وهو الأمر الذي ربما تغافله النظام السورى السابق.