حالة من البهجة الخالصة تملكتني على مدار اليومين السابقين في لقاء التحكيم النهائي في مهرجان إبداع 12 فرع القصة القصيرة حيث التقيت بنخبة من طلاب الجامعات المبدعين في مجال القصة القصيرة، ما يقرب من ثلاثين طالبة وطالب من مختلف جامعات مصر ومعاهدها يكتبون القصة القصيرة ويتلمسون خطاهم في حقل إبداعي صعب المراس يحتاج إلى التمكن من اللغة وأدوات السرد كما يستلزم أن يكون الكاتب ذا رؤية واضحة لنفسه وللعالم، ولديه ما يقوله.
والمفاجأة الحقيقية أن التحكيم كان صعبا بدرجة كبيرة ليس فقط لتقارب المستوى بين الطلاب لكن كذلك لأن معظم القصص التي تقدمت في المسابقة يمكن وصفها بأنها نصوص إبداعية حقيقية، فالطلاب يكتبون بثقة كبيرة في أنفسهم وفي قارئهم، ورؤاهم واضحة ومنطق القص لديهم يعبر عن شخصيات إبداعية حقيقية.
وبالنسبة إلى الموضوعات التي تمت معالجتها في هذه القصص فقد كانت تعبيرا واضحا عن تماسهم مع عصرهم وقضاياه، وتطورات الموضوعات نفسها كانت تطرح تعاملا منطقيا ممنهجا في أغلبه مع هذه القضايا مما عكس وعيا كبيرا بما يدور في العالم من حولهم، وهو الأمر الذي ظهر جليا في المناقشات الشفوية في أثناء جلسات التحكيم أو في الجلسات الودية مع هؤلاء الطلاب بعد انتهاء العمل، فقد ظهر هؤلاء الطلاب قراء مطلعين، ليس فقط على عيون الأدب العربي ولكن على الآداب العالمية ومختلف المعارف، مما يشير إلى أن اهتمامهم بالقراءة والكتابة ليس مجرد نشاطا هامشيا لكنه يقع في بؤرة الاهتمام منهم، وهو ما انعكس على لغتهم واستشهاداتهم في النقاش.
هذا اللقاء الذي ضم نحو ثلاثين طالبا من كليات الطب والآداب والزراعة والعلوم والهندسة والفنون الجميلة والتربية والسياحة والخدمة الاجتماعية وغيرها كان كشفا حقيقيا لجيل من الشباب يمثل أملا حقيقيا في مستقبل قريب، وربما ننتظر منهم في هذا المستقبل من يصير كاتبا لامعا أو أديبا مرموقا.
لكن هذا الانتظار سيظل مرهونا بمدى الرعاية والتعهد الذي نوليه لهؤلاء لتنمية ما يحبونه ومنحهم أملا في أن الكتابة يمكن أن تكون عاملا مهما في صناعة مستقبلهم كما هي مهمة في صياغة مستقبل وطنهم ومجتمعهم كذلك، وهو الأمر الذي يجب أن تكتمل فيه دائرة العمل بين الجهات المختلفة لرعاية هذه الأصوات الجديدة، ووضح خطة واضحة لتنمية تلك المواهب وتقديمها إلى القراء في مختلف المحافل.
وإذا كان الشكر واجبا لوزارة الشباب والرياضة على استمرار هذا المهرجان للعام الثاني عشر على التوالي فإن الدعوة واجبة كذلك لكل الجهات التي يجب أن تعمل على رعاية هذه المواهب الحقيقية في أن يتكامل عملها من أجل استكمال هذه الرعاية في صورتها الكاملة حتى لا نفقد كنزا بدأ بالفعل في التشكل.