الحوار دائماً يفتح الأفق للمشاركة والتفاعل وخلق الأفكار البناءة والحلول المبتكرة للمشكلات والقضايا، لذا عندما نوه الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية لإطلاق الحوار الوطني في شهر أبريل عام 2022، لاقت الفكرة ترحيبا كبيرا من جميع الفئات والتيارات خاصة أن الدعوة للحوار جاءت من القيادة السياسية وأعلى منصب في الدولة؛ البعض كان متشككا في جدية الحوار في البداية، لكن سرعان ما التف وشارك الجميع في الحوار خلال مرحلته الأولى بعد ظهور دلائل وشواهد على جدية ومصداقية الحوار الوطني.
جمعت مائدة الحوار الوطني مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والوطنية وجميع فئات المجتمع، لتصبح عبارة "الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية" واقعية، تجمعهم مساحة مشتركة هى حب الوطن والرغبة في الإصلاح والبناء، انتهت المرحلة الأولى من الحوار الوطني ولم ينته الحوار، أنتجت تلك المرحلة مخرجات هامة وأعلن رئيس الجمهورية والحكومة الاستجابة لهذه المخرجات في إطار ما يمكن تفعيله منها سواء تشريعيا أو تنفيذياً لاتخاذ اللازم بشأنه، ويتبقى أن نرى نتائج تنفيذ مخرجات الحوار الوطني على الأرض لطمأنة المواطنين وتأكيداً على الجدية والمصداقية، وهو ما أثق أن الدولة بكافة مؤسساتها تحرص عليه بالفعل.
وجاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة لاستئناف واستمرار الحوار الوطني لتعطي رسائل جديدة تؤكد حرص القيادة السياسية على مشاركة الجميع في بناء الدولة وطرح الأفكار والرؤى لحل المشكلات ومواجهة التحديات، ثم أتبعها دعوة الرئيس لحوار أشمل وأعم حول المحور الاقتصادي، وهى دعوة نابعة من شعور القيادة السياسية بهموم المواطنين وما يواجهه من أعباء المعيشة جراء الظروف الراهنة وتداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، وانعكاسا للرغبة الجادة في إيجاد حلول وآليات للتخفيف من آثار حدة ووطأة هذه الأزمة وكيفية العبور من عنق الزجاجة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المأمولة.
تابعت نتائج اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني يوم السبت الماضي، وسرعة الاستجابة لدعوة الرئيس، لمناقشة استكمال الحوار الوطني في المرحلة المقبلة وخاصًة ما يخص الحوار الاقتصادي، الذي دعا إليه الرئيس السيسي ليكون بشكل أعمق وأشمل وأكثر فاعلية في المرحلة المقبلة، لما تمر به الدولة والمجتمع من ظروف اقتصادية دقيقة، وأثني على ما أعلنه من عقد جلسات علنية متخصصة مغلقة، بحضور الخبراء والمتخصصين من كل الاتجاهات والمدارس الاقتصادية للتركيز على أطروحات ومبادرات قصيرة ومتوسطة الأجل، قابلة للتطبيق، بالإضافة إلى أن يستمر الحوار في عقد جلساته لمناقشة القضايا التي لم يتم الانتهاء منها في المرحلة السابقة بالتوازي مع جلسات الحوار الاقتصادي، وتحديد جلسات قريبة لتشريعات الحبس الاحتياطي والحبس في قضايا النشر والإبداع، فضلاً عن دعوة الحكومة في كل الجلسات المقبلة.
وحسنا فعل مجلس الأمناء بقراره تشكيل لجنة لتنسيق تنفيذ مخرجات المرحلة الأولى بالتعاون مع الحكومة، ومجلس النواب والجهات المختلفة ذات الصلة، هى خطوة طيبة نحو تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، نتمنى أن نرى حراكاً سريعاً في هذا الإطار لتفعيلها وأن تكون هناك تشريعات وقرارات تنفيذية ترجمة لهذه المخرجات، والأهم من ذلك التطبيق على أرض الواقع، لتكون هناك بارقة أمل في حل إشكاليات وقضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية.
أيضاً تكليف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الحكومة الوزراء بالتفاعل الإيجابي مع المرحلة الحالية من الحوار الوطني، وكذلك استجابة الحكومة لتنفيذ مخرجات المرحلة السابقة من الحوار، أمر جيد وأدعو الحكومة إلى ترجمة ذلك إلى أفعال وتطبيق على الأرض، وأن تكون هناك سرعة في الأداء والحركة، فالفترة الحالية في ظل التحديات تقتضي مزيد من العمل والجدية.
ماذا ينتظر المواطن من الحوار الوطني؟.. أعتقد أن الشغل الشاغل للمواطن حالياً هو الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة، وأيا كانت أسبابها، فالمواطن يريد أن يطمئن وأن يرى نتائج وإجراءات تبعث الطمأنينة وتزيل الشعور بالقلق والتوتر بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع معدل التضخم وارتفاع الأسعار وحالة الارتباك في السوق التي تسببت في زيادة معاناة المواطنين في مواجهة أعباء المعيشة، وأظن أن ذلك سيكون على رأس الأولويات في الحوار الاقتصادي، ما يقتضي ضرورة الوصول إلى رؤى وآليات قصيرة ومتوسطة الأجل للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية وضبط الأسعار والسيطرة على الأسواق.
القائمون على الحوار الوطني في الجانب الاقتصادي أمام تحدي ومسئولية كبيرة في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية الجسيمة التي تواجهها الدولة؛ لا بد أن يفتح الحوار الاقتصادي كافة القضايا والملفات الاقتصادية، وأن تكون هناك رؤى قابلة للتنفيذ ومبنية على قراءة جيدة للواقع وتخرج بتوصيات ومخرجات قوية لحل اشكاليات ومعوقات الاستثمار والصناعة وآليات جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتوطين الصناعة ودعم الزراعة وتنشيط السياحة وتنمية الصادرات وملف المصريين بالخارج وحل أزمة نقص العملة الصعبة، وملفات أخرى وقضايا اقتصادية متعددة.
ختاماً.. أثق أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي قادرة على عبور الأزمة الاقتصادية إلى بر الأمان، ونأمل أن نحقق الأهداف المنشودة من الحوار الوطني لنصل إلى الجمهورية الجديدة ونحقق التنمية الاقتصادية وننهض ببلدنا.