فى الوقت الذى يواصل الاحتلال الإسرائيلى عدوانه على قطاع غزة، تتجه الأنظار إلى القاهرة، حيث تتواصل جهود الدولة المصرية للتوصل إلى هدنة طويلة مع صفقات لتبادل المحتجزين، وقد استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس ويليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وشهد الاجتماع تأكيد قوة الشراكة الاستراتيجية المصرية الأمريكية، ونقل «بيرنز» تحيات الرئيس الأمريكى للرئيس السيسى، وتثمين جهود مصر فى دفع مسار التهدئة فى قطاع غزة ووقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين، بالإضافة إلى دورها المحورى المتواصل فى تقديم وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ اندلاع الأزمة، كما استقبل الرئيس السيسى الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر، وعبدالله بن محمد الخليفى رئيس جهاز أمن الدولة القطرى، حيث تم استعراض الجهود الرامية للتوصل لوقف لإطلاق النار بقطاع غزة، وحماية المدنيين، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، وتم تأكيد خطورة تصعيد العمليات فى رفح.
هذه اللقاءات التى تمت بحضور اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية، حيث استضافت القاهرة اجتماعا رباعيا بمشاركة مصرية وقطرية وأمريكية وإسرائيلية، لمناقشة التهدئة فى قطاع غزة والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، ووقف إطلاق النار بالقطاع.
وتمثل لقاءات القاهرة فرصة مهمة لوقف الحرب مع هدنة، ضمن الجهود المصرية المستمرة منذ اللحظات الأولى لاشتعال الأوضاع وبدء العدوان، وهو ما تطلب تواصلا دقيقا مع أطراف متقاطعة ومتشابكة، وتسير القاهرة بدقة على خطوط متقاطعة سواء فى جانب الاحتلال، والجانب الفلسطينى، مع وجود للولايات المتحدة، وقطر، فضلا عن اتخاذ مواقف حاسمة من مخططات أو ادعاءات، وتتمسك مصر بأكبر قدر من الصبر، مع التمسك بالثوابت تجاه الأمن القومى، ورفض تصفية القضية الفلسطينة، أو تهجير سكان غزة إلى الداخل أو الخارج، مع تأكيد استمرار فتح معبر رفح من الجهة المصرية طوال 24 ساعة، وأنه لم يغلق لحظة، حتى مع القصف من جانب الاحتلال للمعبر من الجهة الفلسطينية، وتؤكد مصر الدفع نحو إدخال المساعدات للقطاع لمواجهة أخطار الحرب والحصار والمجاعة فى غزة.
التعامل المصرى مع الأزمة تطلب الكثير من التواصل والصبر، والتعامل مع كل القنوات والاتجاهات، ضمن تحركات بدأت منذ اللحظات الأولى للعدوان، من خلال اللقاءات والاتصالات التى تلقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والجهد الذى بذله فى تغيير الكثير من التوجهات لدى الولايات المتحدة والدول الداعمة للاحتلال.
كما ردت القاهرة بقوة على مزاعم وزراء ومسؤولين فى الاحتلال سعوا للبحث عن شماعات لتعليق عجزهم بمزاعم دخول أسلحة، وهو ما ردت عليه «الخارجية» بحسم، وأعلن السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، أنه من المؤسف والمشين أن يستمر وزير المالية الإسرائيلى «سموتريتش» فى إطلاق تصريحات غير مسؤولة وتحريضية، تكشف عن نهم للقتل والتدمير، وتخريب أية محاولة لاحتواء الأزمة فى قطاع غزة، وسبق وردت مصر بحسم على الكذب الإسرائيلى حول تهريب الأسلحة، وما نشرته الصحف الإسرائيلية عن ضلوع جنود وضباط بجيش الاحتلال فى سرقة أسلحة وبيعها، بجانب اختراقات داخل جيش الاحتلال، وعجز عن مراقبة الحدود.
والواقع أن أكاذيب الاحتلال هى استمرار لسلاسل الأكاذيب التى رددها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، فى محاولة لتعليق جرائمهم على شماعات الآخرين، ومنها كذب محامى الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، وترويج الأكاذيب فى مواجهة الجرائم الثابتة بالبينة والقرائن والشهود والفيديو والأقمار الصناعية، تؤكد النية فى إبادة سكان غزة، وقدمت مصر كل الأدلة على أن معبر رفح مفتوح من الجانب المصرى، وأن المنع يأتى من الاحتلال، مع تحذير الاحتلال من منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها.
وقد انطلقت الأكاذيب والحملات العدائية من قبل الاحتلال ضمن ردود أفعال على خطوط مصر الحمراء، والدعم الشعبى والرسمى المصرى للفلسطينيين وحقهم فى دولتهم، وإدانة جرائم الاحتلال، ومع هذا تمسكت بالكثير من الصبر ونجحت فى عقد الهدنة الأولى وما تزال تقدم فرصة لهدنة طويلة مع صفقات لتبادل المحتجزين، بعد أن طالبت مصر بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية، التى تأوى ما يقرب من 1.4 مليون فلسطينى نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع.
واعتبرت مصر استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلى فى تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته، فى انتهاك واضح لأحكام القانون الدولى والإنسانى وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، وقد تزايدت التحذيرات الدولية من مهاجمة رفح، وأعلنت كل من روسيا والصين رفض الاجتياح، كما أعلنت بريطانيا وأستراليا رفض الهجوم الإسرائيلى «واسع النطاق» على رفح.
وفى الوقت نفسه تواصل الدولة المصرية اتصالاتها وتحركاتها مع مختلف الأطراف، من أجل التوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار، وإنفاذ التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين، داعية القوى الدولية المؤثرة إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل للتجاوب مع تلك الجهود، وتجنب اتخاذ إجراءات تزيد من تعقيد الموقف، وتتسبب فى الإضرار بمصالح الجميع دون استثناء.