فى حوار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، للصحفى الأمريكى «تاكلر كارلسون» على منصة إكس «تويتر سابقا» لمدة ساعتين، خلال الأيام القليلة الماضية، تطرق فيها بثبات لعدد من القضايا الجوهرية، وكونه لاعبا محترفا فى رياضة الجودو، وعاشقا للعبة التايكوندو، فإنه يجيد الانقضاض على الخصم، وفى الحوار انقض على الولايات المتحدة الأمريكية، واتهمها بأنها تستخدم الدولار كسلاح ردع وهيمنة وتوسيع دوائر النفوذ، وأن العقوبات التى فرضتها أمريكا والغرب، كسلاح فتاك للتأثير على الاقتصاد الروسى، كان خطأ فادحا، وجرس إنذار أيقظ العالم من سباته العميق.
ظهر فلاديمير بوتين، فى الحوار، واثقا إلى حد الزهو والفخر بأن بلاده استطاعت إحباط مخطط تدمير اقتصاد بلاده، عقب توعد الرئيس الأمريكى جو بايدن، والذى قال نصا، مع بدء إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا: «إن الاقتصاد الروسى يُسحق»، موضحا أن قرار تجميد الأصول المقومة بالدولار المملوكة للبنك المركزى الروسى وبعض رجال الأعمال الروس، كان بمثابة إنذار إفاقة لدول العالم، بضرورة إعادة حساباتها والتقليل من الاعتماد الكامل على الدولار فى احتياطات بنوكها المركزية، حتى حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية اتخذوا نفس الإجراء، انطلاقا من أنه عند رؤية الخطر، يبدأ الجميع فى البحث عن طرق لحماية أنفسهم، فالإجراءات التقييدية مثل فرض قيود على المعاملات وتجميد الأصول وما إلى ذلك، تثير قلقا كبيرا وتدق ناقوس الخطر إلى العالم أجمع.
قرار أمريكا باستخدام سلاح الدولار واعتباره أقوى من كل الأسلحة التقليدية الفتاكة، يصفه الرئيس بوتين بالقرار الغبى، وعملية قتل للعملة الأمريكية إذا ما وُضع فى الاعتبار أن هناك دولا كبيرة بدأت تعقد الاتفاقيات للتعامل بعملات محلية، وصارت العملة الصينية الـ«إيوان» منافسا قويا للدولار، ويسير بخطى ثابتة للإطاحة به من فوق عرش نفوذه وسيطرته على قمة هرم العملات العالمية.
ولفت الرئيس بوتين، النظر بشكل رسمى واضح، إلى أن هناك دولا كثيرة بما فيها الدول النفطية، اعتمدت الـ«يوان» عملة للتعامل بها وأن العدد فى ازدياد.
وبكل اعتزاز وثقة بالنفس، أوضح الرئيس بوتين، أنه وحتى عام 2022 كان نحو 80 % من التحويلات الروسية بالدولار واليورو، وشكّل الدولار بمفرده نحو نصف التحويلات بين روسيا والدول، إلا أن روسيا ورغم الحرب والعقوبات استطاعت تخفيض نسبة الدولار من حجم الاحتياطات من 50 % إلى ما يقرب من 10 % فى الوقت الحالى، وقبل الحرب شكل التبادل التجارى بين الصين وروسيا بعملات البلدين الـ«يوان الصينى» و«الروبل الروسى» أقل من 3 %، إلا أنه زاد فى الوقت الحالى إلى 35 %.
وعلى غرار نظرية «الحاجة أم الاختراع» أكد بوتين أن الأمريكيين هم من دفعوا روسيا إلى هذا التحوّل، وأن موسكو على الرغم من الحرب والمقاطعة الاقتصادية، لم تتأثر بل كان أداؤها الاقتصادى أفضل من دول مجموعة السبع الكبرى، بشهادة المنظمات الدولية.
الشاهد من حوار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والذى مر مرور الكرام دون أن يحظى باهتمام الخبراء والمحللين الاقتصاديين والسياسيين العرب، بشكل عام، والمصريين على وجه التحديد، بما يستحق، فإن بالإمكان إسقاط الدولار من فوق عرش نفوذه، إذا توافرت إرادة الدول، وأن حالة الاحترام والتبجيل والتقدير التى يحظى بها الدولار مُبالغ فيها، ويمكن لعملات مثل «اليوان» الصينى و«الروبل الروسى» و«الروبية الهندية» أن تتصدى بقوة لسلاح الدولار، وتقلص مساحة نفوذه، خاصة أن الاسترلينى واليورو شكلا من قبل خطرا على الدولار، ويمكن للعرب أن يرفعوا حجم التبادل التجارى بينهم بالعملات المحلية، أو إيجاد عملة موحدة تستطيع المنافسة وتستحوذ على جزء من كعكة نفوذ العملات.
الحوار أثبت بالدليل القاطع أن روسيا والصين قررتا التصدى لسلاح الدولار، وتحطيم عرش نفوذه، وهى حرب نتمناها، والانتصار فيها يسعدنا ويبهجنا، ويحرر رقاب الشعوب من عبودية الدولار!