الرئيس الأمريكي الأسبق چيمي كارتر الذي يقارب عمره من المائة عام، والذي تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية من عام ١٩٧٧ – ١٩٨١ ، هو واحد من صناع السلام في العالم، وهو عراب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ، كما انه يعد واحدا من حكماء العالم، لهذا هو أحد أعضاء مجموعة الحكماء التي تكونت عام ٢٠٠٧ ، من زعماء وقادة دوليين لمواجهة أسباب معاناة الشعوب ودعمهم الجهود المبذولة لبناء وصنع السلام في العالم ، وبالتالي هو واحد من أكثر العقلاء في العالم .
لم يكن اجتياح قطاع غزة من قبل إسرائيل والتنكيل بها هو الأول، فمنذ عام ٢٠٠٥ ، تعرضت غزة لضربات متتالية في ٢٠٠٥ ، و في يناير ويونيو من عام ٢٠٠٦ ، وفي ديسمبر ٢٠٠٨ ، وفي نوفمبر ٢٠١٢ ، وفي يوليو وأغسطس من عام ٢٠١٤ ، وفي مارس ٢٠١٨ ، ومايو ٢٠٢١ ، وأغسطس ٢٠٢٢ ، ويناير ٢٠٢٣ ، حتى جاء طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، في معظم هذه الانتهاكات كانت لجنة الحكماء تحاول بذل جهود حثيثة للدفع بعجلة السلام في فلسطين، وكان الرئيس چيمي كارتر هو واحد من الذين آمنوا ودافعوا عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم بشجاعة قولا وفعلا، بعد الدور الكبير الذي قام به أثناء توليه رئاسة الولايات المتحدة في مباحثات السلام المصرية الإسرائيلية.
مؤخرا انتشر لقاء تليفزيوني قديم أجري مع الرئيس چيمي كارتر ، كما لو كانت عبارات هذا اللقاء تجري الآن ، وبعد إحدى زياراته لغزة وإسرائيل ، تسأله المذيعة لماذا لا يعرف الأمريكيون ما رأيته ؟ فيقول: الأمريكيون لا يريدون أن يعرفوا، والكثير من الإسرائيليين لا يريدون أن يعرفوا ما يحدث داخل فلسطين، انه انتهاك مروع لحقوق الإنسان، وهناك قوى نافذة في أمريكا تمنع أي تحليل موضوعي للمشكلة في الأرض المقدسة، بل لا يوجد عضو واحد في الكونجرس يستطيع أن يتحدث علنا ويطالب إسرائيل بالانسحاب إلى حدودها القانونية، أو يحكي مأساة الفلسطينيين، أو حتى يدعو لمباحثات سلام!
لكنه في حوار آخر يبدي الرئيس الأمريكي الأسبق قلقه عما يجري في قطاع غزة قائلا أن مليوني فلسطيني يعيشون في سجن ، ولا يتاح لهم التواصل مع العالم الخارجي، ونحن قلقون من حرمانهم من أبسط حقوق الإنسان والعيش الكريم، وقال انه وأعضاء لجنة الحكماء قد أبدوا رغبتهم في ذلك الوقت للقاء الرئيس الإسرائيلي، لكنهم لم يطلبوا لقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأنهم يعرفون انه لا يشاركهم الرغبة في الوصول إلى السلام!
هذا ماقاله الرئيس چيمي كارتر ، والذي من الصعب أن يصدر حكما مباشراً على أحد خاصة وإن كان رئيس حكومة دولة تابعة لدولته ، لكنه قالها بكل شجاعة : نتنياهو ليس لديه رغبة في إقامة سلام .
إذن ما نحن فيه اليوم ليس وليد الصدفة، وليس وليد الأشهر السابقة، لكنه تراكم سنوات من الانتهاكات الإسرائيلية، والضغط العنيف والمتوالي على شعب طال صبره وزاد ظلمه، وصمت مطبق مشبوه في أكبر قوى دولية ، وعدم رغبة في السلام في الحكومة الإسرائيلية التي يترأسها نتنياهو ، وفي ظل غياب قيادات فلسطينية قوية تستطيع توحيد الصف الفلسطيني ، مع غياب الكثير من أدوات الضغط للقوى العربية . هذه مع الأسف المعطيات التي أمامنا الآن، والتي تستمد منها إسرائيل تماديها وإجرامها ، وبالتالي فانه في ظل وجود حكومة نتنياهو، وفي ظل عدم توحد الجبهة الفلسطينية، لن نرى حلا قريبا لتلك الأزمة المستعصية، فالحل يبدأ من طرفي النزاع، برغبة حقيقية لحقن الدماء، وأي جهود أخرى هي للمساعدة، وحتى يحدث ذلك ليس أمامنا سوى الدعوات لأهل فلسطين وغزة بالصبر على هذا الابتلاء.