لا أبالغ عندما أقول أننى سأظل منبهرة بعظمة أجدادى المصريين القدماء.. فقد نشأت كغيرى من مواطنى مصر على حب بلادى والانحياز لها ولتاريخها، والذى كانت نتيجته التى تخصنى تحديداً، هى شغفى بالتاريخ وحبى لمعرفته ومحاولاتى الدائمة للربط بين حقبه وأحداثه الطويلة جداً، والتى تمتد لآلاف السنوات.
وعلى الرغم من عشقى للتاريخ المصرى القديم، وفخرى بما خلفه من آثار عظيمة خالدة لا مثيل لها بأى أرض أخري، فلم يسعدنى الحظ بزيارة آثار الأقصر التى أحفظها شفهياً ومن خلال الأفلام الوثائقية وغيرها دون أن أراها رؤيا العين، و إن كنت قد سافرت الأقصر وأسوان بزيارات أخرى فى مناسبات مختلفة.
وكما هو معروف، أنه من سمع ليس كمن رأى..
فقد انتويت هذا العام ألا تفوتنى التوقيتات المناخية المناسبة للزيارة كما حدث من قبل سنوات وسنوات، لم أتمكن فيها من ضبط التوقيت، وقد أسعدنى الحظ ولم تسرقنى دوامة الانشغالات، لأزور المناطق الأثرية بمدينة الأقصر، وعلى رأسها معبد الكرنك ومقابر البر الغربى بوادى الملوك ووادى الملكات وقرية العمال.
وقد كانت المفاجأة:
فقد تأكدت أن كل ما أعرفه عن عظمة مصر والمصريين من تفاصيل، ما هى إلا قليل منها
فما كل هذه العبقرية وهذا التقدم والتمكن؟
وما هذه البراعة الهندسية والمعمارية والفنية التى لا يمكن تنفيذها اليوم بهذه الدقة إلا من خلال أجهزة الكمبيوتر المتقدمة والطابعات الضوئية ذات التقنيات الحديثة.
فكيف لهذا المهندس والفنان أو حتى العامل المصرى أن تخرج يداه هذه الدرجة من الدقة دون غلطة واحدة و كأنها أحدث أجهزة الطباعة للصور والألوان و الرسومات.
أما عن الألوان:
فلم أصدق عيني، أن هذه الألوان الناصعة الجميلة المتناسقة بداخل المقابر كافة، باقية بهذا الشكل لآلاف السنوات.
كما لم أصدق عينى، ولم يستوعب عقلى أن هؤلاء العظماء قد فطنوا أنه ربما يكون هناك من يود محو آثار حضارتهم التى قادت الدنيا وأخرجتها للنور وكان لها السبق والريادة فى كل ما وصلت إليه الأمم من تقدم، فنقشوا بالحفر كافة تفاصيل تاريخهم الطويل وتعاليمهم وآلهتهم وصلواتهم وعاداتهم وأشكالهم وملابسهم وحليهم وتفاصيل حياتهم اليومية ومعاركهم الشهيرة والانتصار على أعدائهم، ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا ودونوها ومن ثم تفننوا بإخفائها عن أعين اللصوص والأعداء، فى محاولة ذكية تليق بهذا الشموخ وهذه العظمة، والتى كانت نتيجتها أننا وجدناها وعرفناها رغم الاستنزاف الذى نال منها منذ ذاك الحين وحتى يومنا هذا دون انقطاع.
ما يؤكد لنا أنها لا تنضب ولا تكف عن الظهور، كما لو كانت حية تتكاثر وتتوالد ما دامت الحياة الدنيا.
فقد تزينت معظم ميادين العالم بالمسلات المصرية واكتظت متاحفه بالقطع الأثرية المصرية، تلك التى نالت منها أطماع المستعمرين واحداً تلو الآخر، ليغترف منها و يوزع على الأحبة والأصدقاء كما لو كانت تركة ورثها، فضلاً عن لصوص الآثار وفطاحل تجاره الذين قامت ثرواتهم وتضخمت على سرقة وبيع تاريخ بلادهم لمن يدفع.
-والأدهى من كل ذلك:
ما استمعت إليه من حديث لمدير الآثار بالبر الغربي، والذى صدمنى بقوله، أنه حتى منتصف الثمانينيات كانت هناك شرعية لتجارة الآثار و رخصة رسمية لتجارها ، قبل أن يتم تجريمها و محاربتها، ما يعنى أنه منذ آلاف السنين وحتى منتصف الثمانينيات كانت الآثار المصرية العظيمة، مباحة ومستباحة ومستنزفة من الداخل والخارج.
وحتى بعد تجريم تجارة الآثار، ما زال التجار يعملون بالخفاء لتستمر عمليات الإستنزاف دون انقطاع، ومن ناحية أخرى تستمر عمليات اكتشاف المزيد من الكنوز والقطع الأثرية والتماثيل العملاقة المدفونة تحت الأراضى المصرية كلها، لتمتد إلى ثلاث طبقات من الأرض لم يكتشف ما تخبئه بعد.
وشاهدت فى طريقى لوادى الملوك، منطقة شاسعة مكتظة بالتماثيل الكبيرة بعضها سيلم والبعض الآخر قد كسرت منه أجزاء صغيرة، وعندما سألت، علمت أنه اكتشاف كبير لعدد من القطع الأثرية منذ ثلاثة أشهر، كما علمت أنه جار البحث والتنقيب عن مقبرة نفرتيتى الآن.
وما زال البحث عن مقابر أجدادنا العظماء التى أخفوها بحكمتهم ورؤيتهم التى سبقت الدنيا مستمرا، وما زالت أطماع الكثيرين فى الآثار المصرية حلم يراودهم آناء الليل وأطراف النهار، وما زالت الحضارة المصرية تفصح شيئاً فشيئا عن أسرار عظمتها.
لا أبالغ عندما أقول أننى سأظل منبهرة بعظمة أجدادى المصريين القدماء