عصام محمد عبد القادر

التفاؤل طاقة الأمل للحياة

الخميس، 29 فبراير 2024 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لكل منا ما يشغل حيز اهتمامه ويحركه تجاه أهداف خاصة به يتبناها ويرغب في تحقيقها؛ ليستشعر أن للحياة معنى وقيمة، وعليه يتحمل المسئولية ويسعى دأبًا ليحقق ذاته، ومن ثم تترجم أفعاله وممارساته ما يمتلكه من اتجاهات كيفما كانت موجبة أم سالبة، وهذا ما يشكل ماهية الرضا لديه؛ فتبدو مقدرته واضحة عندما يواجه ضغوطًا أو تحديات، وتتصارع في داخله طاقتان إحداهما إيجابية والأخرى سلبية، وهنا يأتي الوعي وفق مستوياته وصورته ليرجح غلبة أحدهما على الآخر، ودون شك هناك أحداث ومتغيرات مؤثرة قد تكون وقتية ومنها ما هو مستدام، وهذا ما يفسر سر أن الحياة تستحق أن نعيشها.
 
وباعثو طاقة الأمل، وباثو اليأس يعتمدون على أمر رئيس في بلوغ الغاية؛ حيث إن الفرد إذا ما استشعر أن لديه هدفًا واضحًا فإن معنى الحياة لديه ممكن، وفي المقابل إذا لم يتوافر الهدف فإن خطى التقدم والنمو والسعى للإنجاز تصبح مهب الريح، ولا تتشكل لديه الرغبة في تذوق معني للحياة؛ فيقع في براثن الإحباط الذي يحيط بوجدانه؛ فيفقد شهيته وهويته ومتعته وكل معنى راق أو جميل في الحياة، بل ويتطور به الحال لأن يهرب مسرعًا للتخلص منها بطرائق غير مشروعة.
 
ويتحقق التوافق والتكيف لدى الإنسان في حياته وفق ميزة تتمثل في التفاؤل الذي يلقى بظلاله للنظرة المستقبلية البعيدة التي تتسم بالإيجابية وتنعقد بالرغبة في بلوغ غايات تشكل ضروب الخير في الحياة وتعمل على دحر سبل الشر ومسبباته، وتلك هي النظرة الإيجابية التي ينبغي أن نتمسك بها؛ كي يمكنا جهازنا النفسي من أن نعمل بجد واجتهاد وتواصل؛ فتعمر القلوب بالإدراك الصحيح الذي يبث العاطفة الجياشة نحو حب الخير والسعي إلى تحقيقه، ومن ثم الرغبة في الحياة ذات المعني، والتي تتشكل جودتها من سلوك مرغوب فيه يتسق دون شك مع قيمنا المجتمعية النبيلة.
 
وخشيتنا من النظرة التشاؤمية تكمن في قدرتها الفاعلة على تكريس الإحباط والقلق وفقد الثقة فيما حولنا والوصول بالفرد لمراحل متطورة من الوسواس والاكتئاب واليأس، بما قد يؤدي به لفقد معني الحياة وصعوبة التكيف والتوافق النفسي مع محيطه بكل مكوناته، وهذا دون مواربة يؤدي إلى فقد شهية العمل والإنتاج والمقدرة على العطاء، ونذير خطر يشير إلى الرغبة الجامحة في الاتجاه السالب؛ حيث الاستسلام التام أو السعي نحو الخروج من الحياة.
 
ومما لا شك أن المتشائم يمتلك آليات النقد الهدام على الدوام؛ فلا يرى إيجابيات أو طاقة من أمل ونور فيما يبصره، بل يتوقع الإخفاقات والمعاناة بكل صورها، ودومًا ما يتبني وبكل قوة السيناريوهات غير المتفائلة؛ فالأسوأ والسواد هما ما يفضلها من أنماط قد يجري عليهما الاختيار؛ لذا لا يشكل المستقبل نقطة اهتمام في ذهنه، ويلا يجهد ذاته في تقويم من أجل التطوير والإصلاح؛ فالأمر بالنسبة له بالغ التعقيد، ولا أمل فيما هو مستعصي، ومن ثم فحاضره تعيس ومستقبله غائب، ناهيك عن خصال يصعب حصرها تبدو واضحة عليه؛ إذ يرفض الاندماج ويرنو إلى الانطوائية ولديه مزاج حاد عكر، يحضه على الانعزال، وبالأحرى يفتقد مقومات التوافق النفسي.
 
إن بث التفاؤل الممزوج في أمل مستقبلي مشرق يحقق لدينا ماهية التوافق النفسي الذي يحفظ على نعمة الهدوء والاتزان ويجعلنا قادرين على مواصلة مشوار الإعمار، هذه الغاية التي خلقنا من أجلها، وأن نستطيع تغيير ظروفنا وأحوالنا مهما شابها التعقيد أو الزخم أو اندمجت بها مشكلات وتحديات وصعوبات فرضتها طبيعة الحياة أو الحقبة التي نعيشها؛ فيصبح حسن الظن والصبر المصبوغ بالطمأنينة أسلحة رئيسة تمكننا من بلوغ الهدف، بل وتشكل في الوقت ذاته صحتنا الإيجابية؛ لنتمكن من تقويم ممارستنا وإصلاح المعوج دون فقد للأمل، ورغبة في الوصول للمراد؛ فتلك هي الطبيعية الإنسانية التي خلقنا الله بها.
 
لا نغالي إذ نقر بأن التفاؤل عنصرٌ أساسٌ للبقاء؛ حيث يعضد في النفوس المقدرة على التحمل، ويمكن الفرد من أن يلبي احتياجاته، بل ويسعى لتحقيق طموحاته التي يحلم بها، إلى أن يصل إلى مستويات الرفاهية في هذا الكون الفسيح المليء بالأسرار والإعجازات الثمينة التي تغير من ماهية العيش والمعيشة؛ فلا صعوبات أو محن تنغص عليه الحياة، ولا تحديات أو مشكلات تجعله يتوقف عن مسارات وطرائق النهضة والبناء؛ إذ يمتلك المقدرة على التفكير ومن إلى الابتكار في شتى المجالات، بما يواجه به كل مستعصي، بل ويرسم مستقبله المشرق بكل عقلانية، ويتبني التفكير الاستراتيجي في مراحل التطوير والبناء؛ فهذا مبدأ النجاح في بلوغ الهدف.
 
من يمتلك التفاؤل يحوز وجدان نقى يساعده في أن يحيا حياة سعيدة مليئة بالمحبة والأمل والإخلاص، لا تجد الآلام النفسية طريقًا إليه، وليس للسلبية مسار إليه؛ فتبدو لديه منعة قوية ضد ما منغصات الحياة ومسببات إيقاف النجاح؛ فلا يعرف المتفائل طريق الاستسلام أو الانهزام أو الخضوع؛ إنما يؤمن بالتطور والتغيير للأفضل ويرى مستقبله بملاحظة دقيقة مشفوعة بانتباه لكل ما هو إيجابي؛ ليستثمره دومًا في تعضيد مشاعرة الموجبة، ويجدد من خلال ذلك طاقته، وتتنامى عزيمته وتقوى إرادته النفسية والبدنية، ومن ثم يشعر بذاته مع الرضا الموصول في بجدية العمل وتحسين وتطوير الأداء بصفة مستدامة.
 
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة