مها عبد القادر

تاريخ العدل الدولية في القضية الفلسطينية

السبت، 03 فبراير 2024 12:44 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تُعد محكمة العدل الدولية الهيئة القضائية الأعلى في النظام الدولي؛ حيث تأسست المحكمة في عام 1945 ومقرها في لاهاي بهولندا، ومسئوليتها الرئيسة الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول وتقديم الآراء الاستشارية في المسائل القانونية التي تحال إليها من قبل الهيئات والمنظمات الدولية المختلفة، وما قد تصدره من آراء استشارية ليست ملزمة قانونيًا؛ فلا صلاحية مباشرة لها تجاه تنفيذ ما يصدر عنها؛ لكنها مصدرًا مهم للغاية من حيث التأريخ القانوني، ومن ثم تشكيل الرأي العام الدولي.
 
وفي ضوء ما يصدر عن محكمة العدل الدولية من آراء أو قرارات استشارية يتعين على الدول الأعضاء أن تهتم بآليات التنفيذ وتبدأ بإعلان القبول بها، وهنا يبدو التحدي واضحًا إذ يصعب التنفيذ حال عدم القبول بها من الدول الأعضاء، ويتضح ذلك من عدم تعاونها؛ فقد ترتأي هذه الدول أن بعض النزاعات ليست مخولة لمحكمة العدل الدولية، وفي المقابل يتوجب أن تحترم محكمة العدل الدولية حصانة الدول السيادية، ومن ثم لا تمتلك سلطة لفرض قراراتها على الدول بصورة قسرية.
 
وعلى الجانب الآخر حينما تراي الدول الأعضاء أن المحكمة مختصة فيما يعرض عليها من قضايا؛ فإنها تضع من الآليات ما يمكنها من تنفيذ ما يتمخض عنها من قرارات أو أحكام أو آراء، وهنا يحدث ما يسمى بالأخذ والعطاء؛ حيث تطلب المحكمة من هذه الدولة ردود تفصيلية بشأن ما تم تنفيذه، وفي هذا السياق تؤدي الأمم المتحدة دورًا فاعلًا فيما يسهم ويساند آليات التنفيذ بشكل فوري، وسجل المحكمة يشير إلى دورها البارز في تسوية النزاعات القانونية بين الدول؛ حيث ساهمت في الحفاظ على حقوق الإنسان والسلام وتحقيق العدالة والمساواة في العديد من المناطق على مستوى العالم.
 
وتاريخ المحكمة الدولية بالقضية الفلسطينية بدأ عندما طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2004م من المحكمة تقديم آراء استشارية حول القانون الدولي المتعلق بالجدار الفاصل الذي تم بنائه من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحينها أكدت محكمة العدل الدولية أن الجدار غير قانوني وأن إسرائيل ملزمة بإزالته وتعويض المتضررين.
 
وفي عام 2015م أعلنت الدولة الفلسطينية متمثلة في سلطتها الممثلة لها انضمامها رسميًا إلى المحكمة الدولية، ومن وقتها وبناءً على طلب السلطة الفلسطينية بدأ التحقيق في الأحداث التي وقعت في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة بداية من يونيو 2014م، وشهدت المحكمة تطورات متتالية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتحقيقات المتعلقة به.
 
وفي عام 2018م طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية، إعطاء آراء استشارية حول العواقب القانونية لاستيطان اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد صدر الرأي الاستشاري في عام 2019م؛ حيث أكدت المحكمة أن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يتعارض مع القانون الدولي، ومن ثم يتوجب إيقافه، ورغم ما صدر من آراء استشارية وقرارات ضد الاحتلال؛ إلا أنها لم تكن نهائية، ولم يتخذ حيالها إجراءات تنفيذية على الأرض؛ لكنها في الحقيقة وجهت الرأي العام العالمي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
 
وفي ضوء ما قامت به إسرائيل من عدوان على الشعب الفلسطيني الأعزل بغزة، وما شاهده العالم بأسره من أحداث لم يسبق لها مثيل؛ إلا في القرون الوسطى؛ فقد قدمت دولة جنوب أفريقيا دعوى قضائية بخصوص العدوان الإسرائيلي الجائر على غزة وخطر الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وفي المقابل قدم طلب إسرائيلي بردّ الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا.
 
وبعد مطالعة المحكمة لما جاء في القضية من ادعاءات مدعومة بشواهد وأدلة دامغة، رفضت المحكمة الطلب الإسرائيلي بردّ الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا، وقررت المحكمة العمل بشكل عاجل وملزم على اتخاذ إجراءات مؤقتة لمنع الإبادة الجماعيّة في غزة والتحريض المباشر عليها ووقف تصفية القضية الفلسطينية والتهجير القسري للشعب الأعزل، وضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية والملحة في قطاع غزة بشكل آني وفوري.
 
ودعمًا لما اتخذته المحكمة من قرارات سالفة الذكر؛ فقد صوت أغلبيّة كبيرة من أعضاء هيئة المحكمة لصالح اتخاذ تلك الإجراءات العاجلة التي تُلبّي معظم ما طلبته جنوب إفريقيا، باستثناء توجيه الأمر بوقف الحرب على غزة بشكل صريح ويتضمّن ذلك رفع إسرائيل تقريرًا عن التزامها بتلك الإجراءات بعد شهر.
 
ويُعد قرار محكمة العدل الدولية انتصارًا لسيادة القانون وبارقة أمل وشعاع نور في عتمة الظلمة للقضية والشعب الفلسطيني، وصفعة للاحتلال ولجميع الدول التي تدعمه وتنتهك من أجله كل القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية والإنسانية؛ بالإضافة إلى أن هذا القرار التاريخي يضير بكل تأكيد بسمعة الكيان الصهيوني؛ إذا يُشكل سابقة إدانة قانونية تجرم إسرائيل فيما تقوم به من ممارسات وأفعال وانتهاكات لا تقبلها الإنسانية جمعاء في القرن الحادي والعشرين وعبر فضاء مفتوح يتابعه العالم بأسره، وبتأكيد لا تقبل في أي وقت.
 
كما يبرهن قرار محكمة العدل الدولية عن فشل دولة الاحتلال في التهرب من المساءلة، وتبرير ما ترتكبه من جرائم مستدامة، وكشف عن مسلسل الكذب والتزييف المستمر للحقائق التي لا ينكرها عقل مشاهد للواقع الذي تتناقله وسائل الإعلام ومواقع التواصل بصورة مستمرة، وهذا الواقع موثق لجميع الانتهاكات التي حدثت وما زالت مستمرة تحت سمع وبصر ومباركة المجتمع الدولي الذي ثبت زيف شعاراته وازدواجية مبادئه ومعاييره تبعاً لمصالحه الشخصية، فطالما تحدث عن مبادئ حقوق الإنسان والعدالة، دون ممارسة حقيقةٍ لها، ولكنها شعاراتٌ جوفاء يكذبها الواقع الذي فضح ممارسات هذه الدول؛ فما كانت تدعوا إليه من مراعاة لحقوق الإنسان والقيم الإنسانية والعدالة موضع ارتياب ومسائلةٍ ومكاشفةٍ.
 
ورغم من أن قرار محكمة العدل الدولية لم يصل لسقف طموحات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الحرة ودولة جنوب أفريقيا؛ حيث كنا نطمح إلى وقف إطلاق النار وصون دماء الشعب الفلسطيني من أطفال ونساء وعجائز وشباب وتخفيف المعاناة الفلسطينية، وتقديم المساعدات لهم بصورةٍ كاملةٍ وآمنةٍ وسريعةٍ ومستدامةٍ، والشروع في إنهاء المأساة اللاإنسانية الحالية وتوفير العدالة للفلسطينيين، والتأكيد على حق الشعب في تقرير المصير، وإقامة دولة فلسطينية؛ لتحقيق حل الدولتين وإرساء شرعية الدولة الفلسطينية المستقلة عاصمتها القدس الشرقية التي تعيش جنباً إلى جنبٍ مع إسرائيل على أساس قرارات المجتمع الدولي؛ إلا أن هذا القرار يؤكد في دلالته أن لا أحد يرتكب مجازر ويضطهد شعب بأكمله ويتفنن في تعذيبه وتجويعه، فوق القانون أو خارج نطاق المساءلة أو يفلت من العقاب.
 
ونود الإشارة إلى أن تحقيق العدالة والاستقرار والسلام والتعايش السلمي، يحتم أن يكون هناك إدراكٌ وانتباهٌ كاملٌ للصراعات الموجودة والمحتملة بالمنطقة والتوترات الإقليمية والدولية ومغبة اتساع رقعة الصراع الإقليمي، كما ينبغي أن تقوم الهيئات الدولية والأممية بأدوارها المنشأة لأجلها وتحقيق العدالة الناجزة والسلام العادل، وأن تكون الدول محل الصراع والمجتمع الدولي ملتزمين بقواعد القانون الدولي واتفاقياته ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان والحرص على وجود مائدة حوارٍ وتعاونٍ دبلوماسي بين الدول والمجتمعات المختلفة، لحل النزاعات بشكلٍ سلميٍ وعادلٍ ومستدامٍ.
_________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة _ جامعة الأزهر









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة