"حالة خاصة".. ليس مجرد عنوان لمسلسل درامي، اجتمعت فيه أدوات التشويق والأداء، لمزيج بين نجوم شباب، وآخرين من ذوي الخبرات الفنية العميقة، ليحقق حالة من الانسجام والتناغم بين كافة العناصر، ليس فقط أمام الكاميرات، وإنما أيضا خلفها، من حيث الفكرة والسيناريو، مرورا بالحوار، الذي اتسم بقدر كبير من الرقي، وحتى الموسيقى التصويرية، بينما كان اقتصار العمل على 10 حلقات فقط، إضافة مهمة لتلك الاستثنائية التي حظى بها المسلسل، مما يعكس قدرة القائمين عليه على تحديد الهدف والرسالة، والقدرة على الوصول إليها، بأبسط الطرق، وأسرعها، بعيدا عما يسمى بـ"مط" الأحداث، من أجل زيادة عدد الحلقات.
ولكن بعيدا عن الأمور الفنية، وهي التي ربما يجيد الحديث عنها من هم أكثر اختصاصا في هذا المجال، تبقى رؤيتي للعمل قاصرة على كوني مشاهد عادي، اجتذبته الأحداث، فأراد التعبير عن رؤيته، بعيدا عن النقد الفني، فاستثنائية العمل من وجهة نظري تبدو واضحة، تجاوز التقليدية في تناول معاناة فئة من "ذوي الهمم"، والكيفية التي يمكن مناقشة أوضاعهم بها، فأصبح "نديم أحمد أبو سريع"، المصاب بالتوحد، هو بطل الرواية، في ظل تعمده أن يأتي متأخرا في كل مرة لدقائق معدودة، لأنه يدرك أن "الناس المهمة بس هي اللي بتتأخر"، فتحولت "العقدة" الدرامية، عن التقليدية، والتي تعتمد أساسا على البعد الظاهر في هذه الحالة، وهو المرض، إلى أبعاد أخرى، أهمها الكيفية التي يمكن بها مواجهة تحديات الحياة، والتي تواجه الجميع بدون استثناء.
قضية نديم في واقع الأمر لم تكن إصابته بالتوحد، أو ما يواجهه من تنمر، وإنما كانت كيفية أن يجد فرصة التفوق، وإثبات أحقيته في أن ينال فرصة في التفوق، وهو ما يبدو في إصراره على العمل بمكتب المحامية الكبيرة، بل وقدرته على فرض نفسه عليها، رغم رفضها له في بداية الأمر، ثم إثبات جدارته بالفرصة، ونجاحه المنقطع النظير في العمل معها، بينما تبقى إدارة علاقته مع زملاءه، تحديا جديدا، ثم كيفية إدارة العمل أثناء غيابها، ثم القدرة على نيل احترام زملاءه، والانتصار على عمه، وحتى الحب، بعدما فاز بقلب "رام الله" رغم كونها فتاة عادية "طبيعية"، بينما هو يبقى "غير عادي" في نظرها.
وهنا تبدو استثنائية حالة نديم، ليس في كونه مصابا بالتوحد، وإنما في قدرته على مجابهة الحياة، والانتصار على تحدياتها، وهي "العقدة" الرئيسية التي تواجه حياة البشر جميعا، بينما يبقى الفرق بين شخص وآخر هو الكيفية التي يمكن بها التجاوز والتعايش مع العقبات التي لا يمكن مجابهتها، من أجل التحول نحو تحقيق الذات، وهو ما يمثل اختلافا عن اعمال سابقة تناولت قضية "ذوى الهمم"، على غرار مسلسل "الأيام"، والذي تناول سيرة ذاتيه لعميد الأدب العربي طه حسين، والذي ربما كان الهدف منه توثيق درامي لأحد أهم الشخصيات في تاريخ مصر الحديث، أو حتى أعمال أخرى في السينما، على غرار "أمير الظلام" للنجم عادل إمام، والذي حمل إطارا كوميديا خفيفا، إلا أنه دار أيضا حول "الإعاقة"، وبالتالي وكان الخطاب موجها لفئة بعينها.
وفي الواقع، لا يعد "حالة خاصة" هو العمل الدرامي الأول الذي يتناول قضايا "ذوي الهمم"، إلا أنه يبدو مختلفا في كونه لا يدور في المطلق حول قضية "الإعاقة"، وإن كانت محورا رئيسيا للأحداث، وإنما بالأكثر في تقديم نموذج حياتي اتسم بشموليته، ليتضمن الحياة بكافة أبعادها، سواء في الدراسة أو العمل، أو حتى العلاقة مع المحيط الخارجي، وحتى الحب، وكيفية الفوز باحترام زملائه وحب تلك الفتاة التي تنافس عليها أقرانه، ممن قد ينظرون لأنفسهم بأنهم أفضل منه وأحق منه بها، وهي التحديات التي يواجهها الجميع، دون استثناء، وهو ما يمثل نجاحا منقطع النظير في تغيير النظرة المجتمعية لتلك الفئة، باعتبارهم ليسوا فقط جزء من المجتمع، وإنما أيضا في كونهم يواجهون نفس التحديات التي يواجهها أقرانهم، بل ولديهم القدرة، في حال وجود الإرادة لديهم على تجاوزها.
وهنا يمكننا القول بأن استثنائية "حالة خاصة" ليست في تسليط الضوء على مرضى التوحد أو ذوي الهمم، وإنما في محاكاة الواقع، بصعوباته وتحدياته، والكيفية التي يمكن بها تجاوزها، ومجابهة مرات الفشل، وتحويلها إلى دافع للنجاح، وكذلك إمكانية إدارة معارك الحياة، لتحقيق انتصارات، مع القبول بالخسائر، بينما يبقى إيمان الإنسان بنفسه وقدراته هو العامل الأهم للنجاح، وهو ما يعكس تحولا جديدا في الأعمال الدرامية، في ظل حرص الشركة المتحدة، على تقديم أعمال راقية من شأنها بناء الوعي المجتمعي.