إنها ممثلة اشتراكية، هنا أستعير تعبيرها ووصفها للمخرج يسرى نصر الله وشقيقته مصممة الأزياء ناهد نصر الله بأنهما اشتراكيان، وأنهما "أولاد ناس" أو بمزيد من الدقة أنهما يمتلكان مساحات من الإنسانية وقدرًا كبيرًا من الوعى والاحترام للآخر، هذا ما لمسته عندما عملت معهما "كومبارس" فى "مرسيدس" عام 1993.
نعم إن سلوى محمد على التى كرمها مهرجان الإسماعيلية فى دورة يوبيله الفضى الراهنة، هى ممثلة اشتراكية حتى النخاع، واعذرونى لاستخدامى هذا المصطلح التقليدي، ولكنه يلائم حالة امرأة صادقة، إنسانة مدرارة، فنانة متعددة وممثلة هى جسر للتواصل بين قديم دافئ يسكننا، ومعاصر عنفوانى يطمح فى التجديد، هذا النفس النضالى فى مشوارها الذى يتكئ على التفاصيل، يفسر إلى حد كبير طاقة الحب الهائلة التى احتدمت حين صعدت المسرح تستلم درع تكريمها، فبدت كأنها تستكمل ما عاشته من محاولات دائمة لأن تكون حسب قناعاتها، أو بمزيد من الدقة إنه نتاج العظمة المتولدة من الصدق سواء فى مشوارها المهنى الطبيعي، أو من خلال دعمها اللامحدود لأفلام الطلبة ومشاريع التخرج والأفلام المستقلة التى اختصرتها فى عبارة قصيرة فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب التكريم: "تعلمت من هذه المشاريع"، إنها لا تقصد التواضع وإنما تعبر عن طبيعتها بعفوية الممثلة التى عملت مع الهواة والمحترفين، الأعمال الفنية شديدة الخصوصية والأعمال التجارية بإدراك أن السينما هى معادلة تحتوى الفن والصناعة والتجارة والترفيه.
إنها ابنة الوعى والتنامى الثقافى والاجتماعى الذى ترسح فى الحارة الشعبية، فضاؤها الأول الذى تنتمى إليه وهو بالأساس وليد ثورة يوليو وتطلعاتها التى أرست قواعد الحرية والاشتراكية والوحدة، النسق الذى شكل وجدان سلوى محمد على الواعى وجعلها لا تتردد فى مساعدة أحد أو المشاركة فى أعمال كثيرة لن تحصل منها على العائد المادي، لكنها تمنحها تلك الأريحية التى يصبو إليها الحقيقيين، ولذا ليس من المستغرب أن يصل عدد الأعمال الروائية القصيرة ومشاريع التخرج التى شاركت فيها نحو مائة فيلم، حسب ما رصدته الكاتبة إيمان كمال فى كتابها الصادر عن المهرجان "سلوى محمد علي.. المغامرة" والذى بذلت فيه جهدًا واضحًا كى ترسم بورتريهًا عن سلوى الممثلة والأم والصديقة، تلك التركيبة المدهشة التى لم تبخل بموهبتها عن المحيطين بها، تجلى هذا الملمح فى شهادات السينمائيين التى وردت فى الكتاب، وكذلك فى مداخلاتهم كما ظهرت خلال المؤتمر الصحفى الذى أداره الناقد محمد نبيل.
قد يبدو كلامى عاطفيًا، خصوصًا وأننى كنت محظوظة مرتين بمشاركة سلوى فى مشروعين لي، أول مرة حين كانت أول الحضور لحفل توقيع مجموعتى القصصية "دومينو" وقراءتها لبعض نصوصها، والثانية حين لم ترد طلبى أن تقرأ التعليق الصوتى لفيلم "شارع شامبليون" المأخوذ عن نفس المجموعة، ودون أن تحصل على أجر، بل تكبدت عناء أن تحضر بسيارتها الخاصة من ضاحية التجمع إلى استوديو الصوت بحى الزمالك، وأن تلف الشوارع المزدحمة كى تجد مكانًا تركن فيه سيارتها.. لكنها شهادة عن فنانة صاحبة رصيد هائل من الدعم والمساندة، وحضور قوى يبرهن معدنها الفنى كمجتهدة ودارسة أصول كل تفصيل فى تفاصيل الفن، لذا فإن اختيار مهرجان الإسماعيلية برئاسة الناقد عصام زكريا لها هو اختيار ذكي، لأنها نموذج لفنانة مثابرة، طموحة، صنعت ذاتها التمثيلية بعد مسار طويل من التحديات والتفاصيل الحياتية، جاذبيتها الإنسانية تنعكس على أدائها التمثيلي، أصغى الجميع إلى موهبتها، بينما هى أصغت إلى جوهر روحها، ناضلت حتى وقفت على أرض صلبة فى التمثيل، وصنعت بصمة واضحة وأكيدة، هذه البصمة التى تبعث الحرارة حتى فى الأدوار الشاحبة أو الصغيرة، لقد تجلت فى كل أحوالها، من الخالة خيرية ضمن مسلسل الأطفال "عالم سمسم" والحضور فى الأفلام القصيرة من "طيرى يا طيارة" مع المخرجة هالة خليل حتى ظهرت معها في"أحلى الأوقات" 2004، من العمل مع مخرج كبير مثل محمد خان وكذلك العمل مع ابنته نادين خان، إلى أعمال كثيرة متراوحة فى مساحات الدور مع آخرين كبارًا وصغارًا، من الدراما التليفزيونية إلى المسرح بيتها الأساسى الذى ترغب فى أن تتجلى فيه أكثر بإخراجها لعرض مسرحي، حتى دراستها للنقد وممارستها للتدريب على التمثيل.
تتمتّع سلوى بميزات حرفية لافتة للانتباه، مشغولة هى بالتنويع، وتحويل أدائها، فى أى عمل كان، إلى مساحة أجمل. تواضعها الإنسانى مرادف لإحساسها بالاشتراكية وأيضًا لاستنادها على قيمة جمالية فى الأداء ترتكز على إلغاء الحد الفاصل بين الممثل والشخصية، من دون السماح للممثلة بالسقوط فى الشخصية.. أجمع كثيرون على أنها أجادت أدوارها بشكل جدير بالالتفات، من الشخصية الشعبية إلى الهانم الأرستقراطية، استطاعت تفكيك الشخصيات والتقاط اللحظات المناسبة ببراعة اللاعبين المحترفين، فهى لاعبة تتقن اللغة المطلوبة فى التمثيل، وكذلك هى هاوية تدفعها الحماسة إلى هذه البراعة، دون أن تتخلى عن العفوية التى تتيح لها التصرّف بحرية كبيرة.. مُدهشة بعفويتها وبساطتها، بتصرفاتها السلسة، لا تتصنع أداء. لا تبالغ فى سلوك، هذه الأشياء تصنع جزءًا من ذاتها التمثيلية وهى أيضًا مفتاحها وبطاقة دخولها إلى قلوب المُشاهدين، من هنا، يطل سؤال التمنى بنقلة نوعية لممثلة مازال بداخلها طاقة كامنة، قادرة على التحوّلات وتحقيق متعة التعرف على موهبة لا تنضب.