لم تكن مجرد بطولة على أرضية العشب الأخضر، وكرة يركض خلفها 22 لاعبا، وجماهير تتابع بحماس فى المدرجات، أو خلف شاشات القنوات الفضائية الناقلة للحدث الرياضى، بل كانت ملحمة مودة وإخاء جسدتها حرارة الاستقبال، وروعة التنظيم بما يليق بقيمة الحدث، نهائى بطولة كأس مصر، أقدم بطولة عربية وأفريقية، ولقاء القمة بين قطبى الكرة المصرية الأهلى والزمالك، فى أقدم ديربى عربى وأفريقى أيضا.
ليلة الجمعة 8 مارس، كانت ليلة مصرية خالصة فى قلب الرياض النابض، تبلورت فيها عمق أواصر العلاقات، بين البلدين، وترجمة حرفية بالأفعال قبل الأقوال، ربما البعض يتخيل أن الأمر لا يعدو كونه مباراة فى لعبة كرة القدم، لا يمكن تحميلها أكثر مما يحتمل، وهو تخيل حق، ولكن أُريد به باطل، فهى فعلا مباراة فى لعبة كرة القدم، لكن الاهتمام الكبير بالحدث وحفاوة الاستقبال وروعة التنظيم وكرم الضيافة ومشاعر المودة الفياضة، جميعها تفاصيل أبرزتها الصورة المضيئة، وترجمة واقعية عن عمق العلاقات التى تربط مصر بالمملكة العربية السعودية، على كل المستويات الرسمية والشعبية،
دائما نردد أن التفاصيل الصغيرة، معبرة عن مكنونات كبيرة، وإذا ما اعتبرنا ما يردده البعض من الكارهين والحاقدين على متانة وقوة العلاقة بين مصر والسعودية، والمودة والتقدير الكبير بين الشعبين، فإننا نؤكد أن كل التفاصيل - صغيرها قبل كبيرها - تصرخ بأن ما يجمع بين الشعبين الشقيقين أكثر مما يتخيله هؤلاء الكارهون، وأن مقياس العلاقات بالمواقف فى الملمات قبل المسرات، وأن البلدين الكبيرين بين أمتهما العربية والإسلامية، أثبتا بالأفعال فى المواقف الكبيرة، حضورهما بقوة، وقدما مثالا حى فى كيفية المساندة والدعم على كل المستويات.
ليلة لم تثبت مدى متانة العلاقات بين مصر وشقيقتها السعودية، كونها راسخة رسوخ الرواسى، وإنما أبرزتها للأجيال الجديدة، فى البلدين من التى لم تُعايش المواقف والأحداث الكبيرة التى واجهت البلدين وكانا عند الموعد فى الدعم والمساندة المطلقة، فما يؤلم المملكة العربية السعودية، يؤلم مصر، والعكس صحيح، لذلك وفى ظل أحداث جسيمة مرت بها المنطقة قرابة 13 سنة بدءا ما يطلق عليه زورا وبهتانا، ثورات الربيع العربى، ومرورا بالأحداث العالمية المتسارعة من حروب وقلاقل، وانغماس الأجيال الجديدة فى الجلوس خلف الكيبورد والعيش فى عالم افتراضى ليس له وجود، جميعها رسم صورة على غير الحقيقة، يُفهم منها أن هناك جفاء، أو اختفاء المودة.
من هذا المنطلق تكتسى إقامة المباراة النهائية لبطولة كأس مصر فى العاصمة السعودية، الرياض، أهمية بالغة، وحملت رسائل عديدة، جميعها مبهجة ورائعة وقوية، منها على سبيل المثال تغيير الصورة الذهنية لدى الأجيال الجديدة فى البلدين الشقيقين، عن مدى الروابط العميقة التى تربط بين الشعبين المصرى والسعودى، وأن لولا متانة هذه العلاقات ما وافق المعنيون عن الرياضة فى مصر بأن تقام المباراة النهائية لأقدم بطولة خارج مصر، ولولا أيضا مدى التقدير والمحبة العميقة من الأشقاء السعوديين لمصر ما طلبوا تنظيم البطولة على أراضيهم، إذن تلاقت الإرادتين لتنظيم مباراة تليق بالبلدين، وأن الشركة المتحدة وهيئة الترفيه، ضربا أروع الأمثلة فى كيفية التعاون، والقدرة والجدارة على دفع هذا التعاون البناء والمثمر، على كل المستويات، إلى آفاق أوسع وأرحب.
والشىء بالشىء يذكر، فإذا كانت ليلة أول أمس الجمعة 8 مارس، هى ليلة مصرية مبهجة ورائعة فى الرياض، فإن الأشقاء السعوديين أيضا تحتضنهم القاهرة دائما، وتشعرهم عن حق، بأنهم فى وطنهم الثانى.
وفى الأخير لا بد من التأكيد على الصورة المشرفة التى ظهر عليها مجلسا إدارة الفريقين، واللذان أعليا من شأن الروح الرياضية المتميزة، والعمل على نبذ التعصب المقيت، بجانب السلوك الحضارى الذى ظهرت عليه جماهير الفريقين فى المدرجات، ما أضفى على الصورة بصمة حضارية معبرة عن مصر صاحبة الحضارة الملتصق وجودها بوجه التاريخ، واحترام وتقدير للبلد الشقيق المضيف، أرض الحرمين الشريفين.
شكرا المتحدة للرياضة، وهيئة الترفيه على هذا التعاون الرائع.