بعد شهور من العدوان على غزة، واستمرار الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ما زال الرئيس الأمريكى جو بايدن عاجزا عن اتخاذ موقف واضح أو إجبار إسرائيل على أن تكون حتى أكثر إنسانية، الرئيس الأمريكى على مدى شهور الحرب لم يتوقف عن إطلاق التصريحات والمواقف المتناقضة، فهو فى كل مرة يتمسك بتأكيد دعمه للعدوان، والولايات المتحدة ترفع الفيتو فى مواجهة كل قرار لوقف إطلاق النار، لكن نفس الرئيس بايدن يخرج كل فترة ليعلن تعاطفه مع المدنيين ورغبته فى مساعدتهم، هو يحذر، ويدعم العدوان، ويقدم سياسة ليست فقط مزدوجة لكنها منحازة للقتل مع مسحة إنسانية يعلن فيها تعاطفه العميق مع الشهداء والجرحى والمشردين، والذين قتلوا وجرحوا بالسلاح الأمريكى الذى تعطيه إدارة بايدن للاحتلال، بل وتعجز عن إجبار العدوان على أن يكون أكثر إنسانية.
بايدن يقول إنه حذر الحكومة الإسرائيلية من تبعات ردود الفعل العالمية على الخسائر المتزايدة فى صفوف المدنيين فى قطاع غزة، والكارثة الإنسانية، وقال بايدن فى مقابلة مع شبكة «إم إس إن بى سى»: لا يمكننا أن نقتل 30 ألف فلسطينى آخر، واعتبر أن اجتياح رفح جنوب غزة يعتبر خطا أحمر وخطرا لا يجب الإقدام عليه، بل إنه اعتبار بنيامين نتنياهو «يؤذى إسرائيل أكثر من مساعدتها وأنه يجب أن يولى المزيد من الاهتمام للأرواح البريئة التى تزهق»، وأسرف الرئيس الأمريكى فى القول إن ما يجرى من قتل للمدنيين يتعارض مع ما تمثله إسرائيل.
تصريحات الرئيس الأمريكى تزامنت مع اتجاه سفينة محملة بالإمدادات إلى غزة، والبدء فى بناء رصيف عائم، وتأتى التصريحات بعد أن تجاوز عدد شهداء غزة 31 ألفا وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين معظمهم من النساء والأطفال، وموتى بالجوع، وحتى عندما حذر بايدن الحكومة الإسرائيلية من المزيد من استهداف السكان المدنيين، كرر دعمه العام وقال بايدن: «لن أترك إسرائيل أبدا، الدفاع عن إسرائيل لا يزال أمرا بالغ الأهمية».
وبالتالى فإن تناقضات الخطاب الأمريكى ظاهرة، وأحيانا تحمل معانى متناقضة، فقد كان يمكن للولايات المتحدة حال التوصل لوقف إطلاق نار أن تنهى المعاناة، وربما لم تكن تحتاج إلى إسقاط مساعدات من الجو أو إقامة أرصفة.. بايدن قال فى بيان بمناسبة شهر رمضان، إنه سيواصل الجهود لإيصال مزيد من المساعدة إلى قطاع غزة، والعمل من أجل وقف فورى ومستدام لإطلاق النار، وسنواصل العمل مع إسرائيل لتوسيع عمليات التسليم عن طريق البر، مع الإصرار على تسهيل المزيد من الطرق وفتح المزيد من المعابر لتوصيل المزيد من المساعدات لعدد أكبر من الناس، ووصف ما يجرى بـ«المأساة الكبيرة» التى يعيشها الفلسطينيون فى قطاع غزة من جراء الحرب، وكأنه يتحدث عن حرب لا تدور بمعرفته ودعمه، بل ويرفع شعارات يظهر فيها الألم والتحسر: تسببت الحرب فى غزة فى معاناة رهيبة للشعب الفلسطينى، وقُتل آلاف الأطفال، وتم تشريد ما يقرب من مليونى فلسطينى، والعديد منهم فى حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والدواء والمأوى.
وأكد على رؤيته بضرورة التوصل إلى حل الدولتين، قائلا: سنواصل البناء نحو مستقبل طويل الأمد من الاستقرار والأمن والسلام، ويتضمن ذلك حل الدولتين لضمان تقاسم الفلسطينيين والإسرائيليين لمعايير متساوية من الحرية والكرامة والأمن والازدهار، وهذا هو الطريق الوحيد نحو السلام الدائم، المفارقة أن رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو رد على بايدن بالقول إن سياسته مدعومة من الأغلبية «الساحقة» فى إسرائيل، والإسرائيليون يؤيدون موقفى المعارض لمحاولات إجبارنا على القبول بدولة فلسطينية، مؤكدا أن الرئيس الأمريكى بايدن «مخطئ» فى تصريحاته الأخيرة.
الشاهد أن الموقف الأمريكى ما زال مثيرا للدهشة، فهو يبكى على الضحايا، ويدعم قتلهم، وكأنه يدعو للقتل بمسحة إنسانية، لكن حتى هذا لا يعجبنتنياهو وهو يتمسك بإبادة الفلسطينيين، ويرفض أى أفق للحل، بل إنه يجر المنطقة لنزاع قد يتسع ليشعل المزيد من الحرائق، وهو ما حذرت منه مصر على مدى شهور الحرب.