عصام محمد عبد القادر

سلوكيات رمضانية

الأربعاء، 13 مارس 2024 03:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يهل علينا شهر رمضان، وهو الشهر التاسع من السنة الهجرية، وتمثل عبادة الصوم الركن الرابع من أركان الإسلام، وفيه يجازي رب العزة بنفسه الأجر والمثوبة؛ ففي الحديث القدسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به).
 
ويسعى جميعنا ويسارع في هجران الذنوب والتوبة الصادقة رغبةً في كمال أجر صيامه وصالح الأعمال التي تؤدًّي في أيام الشهر الفضيل؛ فنرى تسابقًا تجاه حصد الحسنات والثواب، سواءً في صلاة، وتصدق، وتضرع، وقيام ليل، وتلاوة قرآن، وغيرها من أوجه الأعمال الخيرة؛ إضافة لكثيرٌ من أفعال البر.
 
ويحض الشهر الكريم على مجموعة من القيم الروحانية والتي تبدأ بالنية الصادقة للصيام وأن تكون لله تعالى خالصة، كما أن ما نؤديه من أعمال صالحات نيتنا فيها لرب العباد وليس للمفاخرة، ويحث الشهر الفضيل على قيمة الصبر والمثابرة والإرادة لبلوغ الهدف ونيل الثواب، ويسهم في تنمية المقدرة على التحمل سواءً تعلق ذلك بجوع أو وعطش أو أداء عمل نبذل من خلاله جهدًا.
 
وفي هذا الشهر الروحاني يتنامى لدينا الإحساس بالفقراء ومن لا يمتلكون قوت يومهم؛ حيث رقة المشاعر التي تبدو في الإيثار والتراحم بالتصدق لمستحقي المساعدة من أصحاب العوز، وفيه أيضًا تسود قيمة صفاء النفس، والتي تترجم بصورة جلية في الصدق مع الذات والآخرين، وهذا يؤكد ماهية المحاسبة التي تتعلق بتقويم النفس، والتي تعد في الأصل متعلقة بطبيعة الفطرة الإنسانية، وهو ما يؤدي إلى أن يطور الإنسان من ذاته وتصرفاته ويحسن السلوكيات مع الآخرين.
 
وتبدو قيمة المحبة جلية في التجمع الأسري الصغير منه والكبير؛ حيث نرى مظاهر راقية تتمثل في التعاون والتفاعل الإيجابي في إعداد المائدة الصغيرة أو الكبيرة، كما نرصد حالة فريدة بين أفراد الأسرة الواحدة تتمثل في توزيع الأدوار والقيام بالدور أو المهمة وفق الفروق الفردية وما يمتلكه الفرد من مهارة وخبرة في إعداد المائدة الرمضانية، ولا عجب من مشاهدة متميزة تتضح في تبادل الأدوار والمساعدة بين أفراد الأسرة، والتي تكمن في صور التعاون والمشاركة المبهرة فيما بينهم.
 
إن شهرنا المبارك نلاحظ في أيامه الطيبة شيوع حالة من التفاؤل والسعادة التي تبدو على الجميع بداية من مرحلة التجهيز حتى الانتهاء من التجمع الأسري على المائدة، وفيه تتعالى الطاقة الإيجابية التي تدفع الفرد للاستعداد وحب ما يفعل من أعمال الصالحات، وفي مقدمتها السخاء في العطاء الذي بالطبع يساعد في تحقيق فلسفة التكافل والترابط الاجتماعي بين أطياف المجتمع.
 
لقد تربينا على فرحة الإفطار من خلال مدفع رمضان الذي نتهيأ بعد سماعه للجلوس على المائدة، نبدأ بالأدعية ونتمنى على الله الإجابة لكل ما هو خير نرجوه وننشده في حياتنا الدنيا والآخرة، وعندما نبدأ في تناول الإفطار نراعي صورة الغذاء الصحي بما نمتلكه من وعي في هذا الخضم؛ فأنماط عادتنا الغذائية يدركها الجميع، كما أن لا مجال للتبذير والإسراف، وفي هذا الشهر العظيم تبدو النفحات الإيمانية متتالية؛ فهناك ليلة القدر التي نتطلع إليها ونعمل لبلوغها، ونكثف الدعاء والرجاء؛ حيث إن الطموح والأحلام المشروعة نطلبها من مسبب الأسباب رب العباد؛ فقد ورد في فضل دعاء الصائم وأنه مستجاب: ما روى الترمذي (2526) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ  وصححه الألباني في "صحيح الترمذي.
 
والأسرة تكسب الأبناء سلوكيات وعادات منذ إدراك ماهية الحياة، أي عندما يعي الفرد ما يقوم به، وهذا يؤكد أنه كلما بدرنا بالتربية على الفضيلة والسلوك المروب فيه، بمعني إكساب الخبرة للطفل مقرونة بمعرفة وممارسة؛ فنستطيع أن نشكل وجداناً راسخاً محباً لدينه وأسرته ومجتمعه ووطنه بصورةٍ متتابعةٍ ومترابطةٍ لا تنفك عن بعضها البعض؛ فمن المعلوم أن التربية تبدأ من المهد إلى اللحد، وكما قيل التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
 
وتتعدد الطرائق والأساليب لتدريب وتعليم أبنائنا السلوكيات الفضلى في هذا الشهر الكريم، ومن أجدى تلك الطرائق المحاكاة؛ فغذا ما لاحظك وأنت تعمل أثناء الصيام، وتؤدي الفرائض المكتوبة، وتقوم بالتصدق من طيب ما تمتلك، وتنتقى أجمل وأرق الكلمات عندما تخاطب الغير، وتتعامل بهدوء ورقي مع الجار والأقارب، وتبدي ترحيبًا لمن يقابلك أو يزورك بالمنزل، وبالطبع لا تنفك النمذجة أو المحاكاة عن عامل الممارسة؛ فتسمح له بأن يتصدق ويتعاون ويعبر عن رأيه ويحاسب على تصرفاته ليكون حريصًا على السلوك القويم؛ فيراعي ألفاظه وينتقيها، ويعطف ويتسامح ويعفو، ويبتسم ليشعر بحالة من الرضا والارتياح.
 
ونؤكد على الأسرة بأن رمضان الخيرة فرصة سانحة لأن نعدل من سلوكيات أبنائنا ونرتقي بها؛ فالإنسان بطبعه قابل للتقويم؛ بمعني مكانية تعديل السلوك في الاتجاه المرغوب فيه؛ لنصل به لمستويات الفضيلة التي نرغب تعضيدها لديه، ويبدأ هذا الأمر من خلال الممارسة الجماعية لمن حوله للأخلاق الحميدة والعبادات، سواءً في صلاة جماعة تشمل جميع أفراد الأسرة أو أسلوب الكلام اللين السلس وجلسات التوعية بأهمية السلوك الجيد بطرق غير تقليدية وخالية من الروتين.
 
وبدون شك يعد تضافر الأسرة والمؤسسة التعليمية في غرس السلوكيات الحسنة لدى الأبناء في هذا الشهر المبارك أمرًا نستطيع أن نحققه؛ حيث يمكن تعزيز السلوك الحميد من خلال الأسرة أولًا، ثم تعضد المؤسسة التعليمية هذا السلوك عبر أنشطةٍ تعليميةٍ مقصودةٍ، تحث الفرد لأن يستحسن التصرف فيما يتعرض له من مواقفٍ وقضايا يخطط لها المعلم المبتكر بعد ذلك، وهناك الورد اليومي لقراءة القرآن، بما يكسب الفرد الطلاقة اللغوية والتدبر والتأمل، كما يمكن عقد مناقشة حول قصص القرآن المختلفة والرائعة؛ لستهم بصورة مقصودة في تنمية مسارات التفكير من خلال التدبر والتفكر وإعمال العقل والتساؤلات الحرة مع الالتزام بمبادئ الشريعة السمحة.
 
واستكمالًا لجهود التضافر بين الأسرة والمؤسسة التعليمية يمكن العمل على تفعيل الأماكن المخصصة لإقامة الصلوات سواء في المدرسة أو في المساجد، واصطحاب الأبناء لأداء الفريضة بحب ورضا وليس من قبيل النهر والزجر؛ بالإضافة للعديد من المناشط الحياتية التي يسهل تنفذيها بالتشارك بين الأسرة والمدرسة، ناهيك عن توعية للأسرة بحملاتٍ ممنهجةٍ تؤديها المدرسة لأفعال خيرٍ وبرٍ متمثلة في زيارات ميدانية للمستشفيات ولدور الرعاية الاجتماعية المختلفة المرامي، وصناديق المساعدة لمن تلم بهم النوازل نصرة للضعيف ومن قبيل التكافل، والكرامة والشعور بالحياة وجودها.
 
إن السلوكيات الرمضانية الطيبة يصعب حصرها، وما يقوم به الفرد من أعمال الخير عديدة ومتعددة، ومن نأمله أن تمتد سلوكياتنا الرمضانية على مدار الدهر؛ فالدنيا دار اختبار والأخرة هي المستقر، كل عام وأنتم بخير والعالم بأسره.. ودي ومحبتي.
 
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
_______
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة