مثل كل الأعمال الدرامية الكبيرة خاصة التى تعالج وقائع لها مجال تاريخى، فقد أثار مسلسل «الحشاشين» الكثير من الجدل والمناقشات، بعضها يتعلق بالأحداث وترتيبها، والآخر يتعلق بالتفاصيل، هذا إذا استبعدنا هجوما متوقعا من تنظيمات الإرهاب التى يمثل التاريخ الدموى «بطحة» يتحسسونها فى كل مناسبة، لكن الجدل هذه المرة يتعلق باللهجة التى يتم بها تقديم العمل.
جددت دراما «الحشاشين» النقاش حول العامية والفصحى، واللغة الأفضل لتقديم عمل درامى كبير مثل الحشاشين، فقد جاء العمل باللهجة المصرية، السهلة المشتركة، وهى اللهجة التى سادت الأعمال الدرامية على مدى عقود، وتشهد انتشارا وسهولة فى التلقى تقريبا بكل الدول العربية.
وبشكل عام فإن الجدل والنقاش حول الفصحى والعامية، هو نقاش أغلبه صحى، ويعد استكمالا لمناقشات تدور على مدى سنوات وعقود حول العامية والفصحى وحدود كل منهما، انتهى لصالح كون العامية المصرية لا تبتعد كثيرا عن الفصحى السهلة، أو ما يسمى الفصحى الإعلامية، التى سادت بالصحف أو غيرها، وإذا عدنا إلى مناقشات قبل سنوات حول شعر العامية والفصحى، ويومها أعلن الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى وآخرون أن العامية المصرية أقرب للقراءة والفصحى، وأنها ليست لهجة محلية أو جهوية.
المسلسل من الأعمال الكبرى للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تأليف عبدالرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمى، بطولة كريم عبدالعزيز، ونيقولا معوض، وفتحى عبدالوهاب، وأحمد عيد، وإنتاج سينرجى، وتم تصويره بين أماكن مختلفة بعضها فى آسيا الوسطى فيما يتعلق بالعمل الدرامى الحشاشين، فأحداثه تدور خلال القرنين الحادى عشر والثالث عشر ميلادية، والقرن الخامس والسابع الهجرى عن جماعة أسسها حسن الصباح، من فرقة إسماعيلية نزارية، باطنية وتدور الأحداث بين إيران والشام ومصر، وتتضمن تأسيس جماعة سرية تنفذ اغتيالات وتعد قاعدة للحركات الإرهابية، ونجحت فى تنفيذ اغتيالات لعدد من الخلفاء والوزراء خلال صداماتها الطويلة مع العبيديين «الفاطميين» والعباسيين والسلاجقة والخوارزميين والأيوبيين والصليبيين، وقضى عليها فى فارس هولاكو قائد المغول، وفى الشام الظاهر بيبرس قائد المماليك.
جماعة الحشاشين نشأت فى عصر الدولة العباسية، والفاطميون فى مصر والمغرب أقاموا حضارة ونهضة اقتصادية وسياسية لا تزال آثارها موجودة فى الثقافة والمجتمع، وهم الذين أنشأوا الجامع الأزهر، بينما الحشاشين جماعة أسست للإرهاب، وهى ضمن جماعات اختلطت فيها العقيدة بالإرهاب.. «الحشاشين» فى فترة متشابكة، ومتقاطعة، وهناك خلافات واسعة بين المؤرخين حول الأحداث التاريخية، حسب زاوية النظر، وحسب الانحياز لهذه الفرقة أو تلك.
بعض من يعترضون على اللهجة فى الحشاشين، ينطلقون أحيانا من زاوية أن العمل تاريخى، ويتجاهلون أن الأعمال التى تقدم حول أحداث وأشخاص تاريخية هى أعمال درامية، ولا يمكن محاسبتها باعتبارها تاريخا، وهذا ينطبق على بعض الأعمال الروائية التى تناولت الحشاشين أو باقى الطوائف والفرق، التى تثار حولها المناقشات والمجادلات.
ثم إن العامية المصرية ظلت على مدى عقود هى اللهجة السائدة فى الدراما وتحظى بانتشار ويفهمها كل العرب، على العكس من لهجات أخرى يصعب فهمها حتى فى بعض المناطق فى نفس البلد، واللهجة المصرية العامية تحمل ما يمكن تسميته «الفصعامية»، وعلى مدى عقود كانت هناك محاولات لا تخلو من شعوبية أرادت أن تفرض أنواعا من اللهجات أو الكتابات فى الدراما أو الصحافة، لكنها ذهبت واختفت، ليس لشىء إلا لكون اللهجة المصرية تحمل الفصحى السهلة، وتتحمل كل المواقف.
اللغة التى تم بها تقديم الحشاشين لغة عامية قريبة للفصحى، ومن الصعب أن ينتبه المتفرج إلى الفرق، خاصة المتفرج الذى اعتاد مشاهدة ومتابعة الأعمال المصرية على مدى عقود، واعتاد عليها وأحبها وتفاعل معها، وبالتالى فالعامية أو اللهجة المصرية هنا حل يعالج اتساع المناطق الجغرافية التى تدور فيها الأحداث، إيران والشام والعراق وآسيا الوسطى، وبالتالى فالواقع أن هناك لغات ولهجات كان من الصعب تقديمها، وتمثل اللهجة المصرية خيارا يسهل تفهمه من باقى الجهات، وبالتالى فاللهجة المصرية عامل مشترك، وهى أكثر انتشارا وأسهل على المتلقى العربى بشكل عام، خاصة إذا كان هناك من يواجه صعوبة فى تلقى اللغة الفصحى.
لكن الأهم فى كل عمل درامى يعالج مراحل تاريخية، أنه يعيد الجمهور للبحث والقراءة والتعرف على هذه المراحل التاريخية، وهو موضوع آخر.