من مميزات الأعمال الدرامية الكبيرة أنها تثير الجدل حول تواريخ أو أحداث، ومن سنوات لم يثر جدل حول أحداث تاريخية مثلما يجرى مع مسلسل الحشاشين، الذى يثير النقاش حول اللغة المستعملة ما إذا كانت فصحى أم «مصرية»، بجانب الاختلاف حو تفاصيل ما جرى فيما يسمى الشدة المستنصرية، التى تزامنت مع زيارة حسن الصباح لمصر، وبحثه عن الخليفة أو الإمام ليبايعه، وأيضا الاختلافات بين مستعملى شبكات التواصل حول الأماكن والأحداث واللقاءات التى جرت بين حسن الصباح وعمر الخيام وما إذا كانا التقيا أم لا؟!
بالطبع فإن الاختلاف فى ذكر الوقائع التاريخية وارد، خاصة فى أحداث تم تسجيلها بعد وقوعها بقرون، لكن المؤكد فيما يتعلق بجماعة الحشاشين وحسن الصباح أنها التى اخترعت الجماعات السرية، والتى تتخذ الإرهاب طريقا لتنفيذ أهدافها، وتقوم على «السمع والطاعة»، وربما لهذا هناك جماعات لا تختلف حول وقائع، لكنها ترى نفسها فى المرآة، فضلا عن التطابق التام بين جماعة حسن الصباح، وحسن الساعاتى، ربما لهذا تشن جماعة الإخوان وتوابعها ومنصاتها و«رصدها ومزيدها»، حملات منظمة هيستيرية على الحشاشين المسلسل، وكل ما يذكرهم بحقيقتهم.
الشاهد أن مواقع التواصل تشهد مجادلات أبرز ما فيها أن كل من يخرج ليقول إنه يصحح حدثا أو يدقق مصدرا هو فى الواقع ينقل عن رواية أو كتاب أو مدونة، وهذه التدوينات عادة كانت قد كتبت بعد عقود وربما قرون من وقوعها، فما جرى فى القرن الخامس والسادس الهجرى كتب بعضه فى القرن السابع وربما التاسع، ثم إن التاريخ فى حكم العباسيين والأمويين والفاطميين كان فى الأغلب يخضع للهواء والانحيازات، العقائدية والمذهبية، ثم إنه فيما يتعلق بالفاطميين هناك كتابات وتواريخ تمت من قبل الأيوبيين وتضمنت إساءات وأقاويل وغيرها، ونفس الأمر فيما يتعلق بمرحلة الفتنة الكبرى، حيث تم تسجيلها كتابة من قبل المؤرخين بعد وقوعها بعقود، وظلت تتناقل شفهيا، وكل فريق يضيف ويحذف ويعدل يغير طبقا لانحيازاته.
بالعودة الى ما نقل لنا عن الشدة المستنصرية أنها تطلق على نقص شديد فى المحاصيل بسبب نقص منسوب النيل خلال 7 سنوات تعرف بأنها ضمن دورت النيل، والتى يفترض أنها جرت فى عهد يوسف، وتكررت كثيرا لكنها لم تصل إلى حد المجاعات، لكن المسلسل الذى كتبه عبدالرحيم كمال يستند إلى روايات تبالغ فى تصوير الأمر على أنه مجاعة، وقعت فى نهاية عصر الخليفة الفاطمى المستنصر بالله بداية النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى فى مصر 1036 – 1094، ويروى بعض من دونوا الوقائع أنها وصلت لاختطاف أطفال أو أكل الكلاب والقطط، ونقل المقريزى وابن إياس فى كتبهما تفاصيل عن الشدة، لكن بعض المحققين للتاريخ قالوا إن ما سجله المقريزى وابن اياس نقلاه شفهيا بعد قرون من وقوعه مما يجعله مجرد نقل شفاهى، فقد ولد فى القاهرة (764 هـ ـ 845 هـ) (1364م - 1442م) و زين العابدين محمد المعروف بـ ابن إياس الحنفى ولد فى القاهرة سنة 1448م وتوفى بها سنة 1523، وبالتالى تفصلهما قرون عن الأحداث.
ولا يمكن تجاهل الدور الذى لعبه الأيوبيون فى محاولة انتزاع تأثير الفاطميين الكبير فى المجتمع المصرى، بعد عقود حكمت فيها الدولة الفاطمية التى نشأت من أسرة شيعية فى تونس 909 وقامت فى مصر سنه 969، واستقلت عن الدولة العباسية، شمل ملكهم حتى سنة 1171 المغرب ومصر والشام وسيسيليا، حتى سعى الأيوبيون لإسقاط الفاطميين بعد ضعفهم واستمرت دعوة حسن الصباح إلى ما بعد سقوط الفاطميين، لكن التاريخ نفسه متداخل ويتضمن روايات بعضها انتقامى أو منحاز، لكن لا يمكن إنكار تكرار السنوات العجاف فيما يتعلق بمنسوب النيل، بل ويذكر التاريخ أن الحسن بن الهيثم زار الخليفة الفاطمى وقدم له أول مشروع لسد عال حتى يمكن تخزين وتنظيم المياه النيل وعدم تكرار السنوات الجفاف.
ثم إن بدر الدين الجمالى، رئيس وزراء المستنصر، هناك روايات عن أنه كان يعمل لصالح الأيوبيين من أجل إسقاط الفاطميين، خاصة أن الدولة الفاطمية كانت تشهد تفككا وضعفا، يغرى خصومها بالتهامها، كما تجرى سياقات التاريخ والسياسة.
المهم أن عملا كبيرا مثل الحشاشين أعاد الجدل وطرح هذه الفترات على موائد النقاش، وبالتالى فإن قراءة التاريخ والقراءة عموما أمر يساهم فى وعى بالحاضر والمستقبل وليس الماضى فقط، عن السياسة والدين والإرهاب والاختلاف والصراع.