رمضان شهر إعداد للنفس، والحكماء يؤكدون أن الإنسان لن يستطيع أن يواجه عدوًا، وعدوه الذى بين جنبيه متحكم فيه متغلب عليه.
وإذا كان رمضان شهر الصبر فإنه يسهم فى الإعداد الإيمانى والروحى بل البدنى للإنسان، ويصف بعض العلماء أصحاب النبى «صلى الله عليه وسلم» بأنهم كانوا رُهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار.
وإذا كان رمضان شهر النصر فإننا نؤكد أن ديننا الحنيف لا يعرف الاعتداء ولا البغى، وأن الحرب فيه كانت وما زالت حربًا دفاعية.
ففى يوم بدر كان خروج المسلمين دفاعًا عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ومدينتهم، فلم يكن خروجهم اعتداءً إنما كان لرد العدوان، خرجوا ليدافعوا عن أنفسهم، فنصرهم الله «عز وجل» من ضعف وقلة، وأعزهم بعد أن كانوا أذلة مستضعفين، فقال سبحانه وتعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» «آل عمران: 123 - 126»، فهو الذى أنزل الملائكة، وهو الذى ثبتهم، وربط على قلوبهم، وهو الذى ألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب، حيث يقول سبحانه: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» «الأنفال: 17».
وفى فتح مكة كانت قريش هى التى نقضت عهدها مع رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وقتلت بعض حلفائه من خزاعة، وعلى الرغم من ذلك عندما قال أحد الناس: «اليَوْمَ يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليَوْمَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ» ، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «اليوم يوم المرحمة، اليوم يعظم الله الكعبة» ، وقال «صلى الله عليه وسلم» قولته المشهورة لأهل مكة: مَاذَا تَقُولُونَ وَمَاذَا تَظُنُّونَ؟ قَالُوا: نَقُولُ خَيْرًا وَنَظُنُّ خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، وَقَدْ قَدَرْتَ فَأَسْجِحْ قَالَ: فَإِنِّى أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِى يُوسُفُ: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» «يوسف: 92».
وفى يوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر، كان الدفاع عن الأرض والعرض والكرامة، فالقتال فى الإسلام لم يكن يومًا بغيًا أو عدوانًا ولن يكون، إنما هو دفاع عن الأرض، والعرض، والوجود.
أما النصر الأكبر والأعظم فى هذا الشهر الكريم فهو الانتصار على النفس وشهواتها، والجد والاجتهاد فى العمل، مع الوفاء بالحقوق والواجبات، والإكثار من الطاعات.