مطلوب من الدولة المصرية ومؤسساتها، أن تتحرك فى كل الاتجاهات، تعالج قضايا التنمية والاقتصاد وتواجه انعكاسات أزمة عالمية اقتصادية، وفى نفس الوقت تحافظ على أمنها القومى، وتعالج الصراعات المحيطة، وتسعى مع كل الأطراف لمواجهة العدوان على غزة وإغاثة الأشقاء الفلسطينيين وأن تتفاعل مع قوى دولية متنوعة ولديها خطط وتحركات، وفى الوقت ذاته تحتفظ الدولة المصرية بتوازن علاقاتها بشكل يجعلها طرفا وفى الوقت ذاته عنصر تواصل مع أطراف الأزمة.
نظرة واحدة على تحركات ولقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال أسبوع واحد فقط، نجد مساعى لوقف العدوان على غزة، ولقاءات مع رئيس مجلس السيادة السودانى الفريق أول عبدالفتاح البرهان، لاستعادة الاستقرار والسلام فى السودان، واتصالات لبناء تحالفات اقتصادية تواجه عيوب وتعقيد النظام العالمى، وأن تسعى لعقد شراكات اقتصادية تدفع عجلة الاقتصاد.
وخلال أكثر من عشر سنوات لم يحدث أن انشغلت مصر الدولة بقضية أو أزمة واحدة، وكان قدرها أن تنشغل بكل ما يجرى على حدودها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، ولم تتوقف التحديات فى كل وقت، خلال السنوات العشر الصعبة التى كانت الدولة فيها تواجه تهديدا إرهابيا، ومعها التنمية وإعادة بناء بنية أساسية عصرية، تناسب طموحات التنمية، وهو ما حدث، وكانت الدولة تفعل ذلك، وهى أيضا تنظر إلى جيرانها وبراميل البارود المشتعلة غربا وجنوبا وشرقا على مدى السنوات.
دائما هناك حاجة لمن يريد أن يعرف حجم ما تواجهه مصر ويواجهه المصريون أن يفرد الخريطة أمامه ليرى ما يجرى فالتحديثات لا تتوقف على تحديات فردية لكنها تتشعب لكون الإرهاب لم يكن تهديدا محليا لكنه تهديد إقليمى وعالمى مدعوم ومتصل مع أجهزة ودول خارجية والأمر لا يمثل مبالغة لأن الدولة المصرية تواجه التحديات بشكل مزدوج ومتعدد كل دولة هنا أو هناك عندها تحد واحد أو أكثر، لكن مصر تقف فى محيط صعب ومتداخل تنعكس التغيرات فيه على كل العناصر على الاقتصاد والسياسة، جغرافيا مصر تضعها فى مركز مهم وبقدر هذه الميزة التى تضع مصر جسرا مع أوروبا وأفريقيا والعرب والغرب ودوائرها الهوياتية الإسلامية والعربية والأفريقية والمصرية التى تنتقل من التاريخ إلى الحاضر.
وبالتالى فإن قدر مصر أن تنظر للاقتصاد والتنمية وتعالج الزيادة السكانية، وتعالج انعكاسات أزمة عالمية، وتنظر أيضا لحدودها، وتسعى لمواجهة التوترات والعدوان وتواجه أزمة عالمية اقتصادية وفى نفس الوقت تقدم أكبر قدر من المساعدات لأهالى غزة، وفى نفس الوقت تواجه مخططات تهجير وتصفية وتتواصل مع كل الأطراف لتأكيد حقوق الفلسطينيين وحمايتهم وهى مهمة فى حد ذاتها ليست سهلة لأن الدولة المصرية هنا تقوم بدور متعدد فهى طرف ووسيط فى وقت واحد.
وداخل أزمة غزة فإن مصر تخوض حربا إعلامية وحرب معلومات فى مواجهة التصريحات والأكاذيب والادعاءات التى يطلقها الاحتلال الإسرائيلى، وأيضا مواجهة الانحيازات، هذا فيما يتعلق بالحرب على غزة التى تتكرر بشكل سنوى فقد كانت مصر هى التى قدمت مبادرات وقف إطلاق النار والعدوان خلال عامى 2021 و2022، وهى التى قدمت الهدنة الأولى وتسعى حاليا لإنجاز هدنة طويلة وفى هذا فإن المؤسسات المصرية تتعامل مع أطراف لكل منها أغراضه وأهدافه واتصالاته ومصالحه وهى أمور تضاعف من صعوبة التوسط فى ظل هذا الوضع.
وربما على بعض من يرددون ترهات وأكاذيب ضد مصر أن ينظروا باتساع أكثر إلى ما يجرى ليكتشفوا أن الموقف المصرى هو الأقوى عمليا وهو الأشد فى المواجهة لأن مصر التى تحافظ على السلام هى التى تواجه العدوان بجدية بينما أطراف أخرى اعتادت المزايدة لم تقدم أى شىء سوى الادعاءات.
ومن غزة إلى ليبيا حيث تسعى مصر وتعرف أن استقرار ليبيا ضمان لاستقرار مصر وعلى مدى سنوات رسمت مصر خطوطها الحمراء وسعت لمواجهة تدخلات خارجية خطرة وميليشيات مسلحة مدعومة ولكل منها داعمون وممولون وتحرص مصر على التواصل مع كل الأطراف وتعلن دائما أن أى صراع لا بد لها من نهاية ومن الأفضل أن تسعى الأطراف المختلفة للجلوس معا واتخاذ مسار سياسى لصالح الليبيين فقط وليس لصالح جهة أو أطماع.
كل ملف من هذه الملفات يحمل داخله تشابكات وعلاقات وتحديات، تسعى مؤسسات الدولة لعلاجها ومواجهتها وعينها على الأمن القومى داخليا وإقليما، وهى تحديات تجعل مهام الدولة أكثر اتساعا، وتفرض مهام وتحركات متعددة بكل اتجاه.