ثلاث كلمات بسيطة وواضحة ومباشرة، يقولها بنبرة صوت هادئة تكون كافية ليس فقط لاختراق حصون الشخص الجالس أمامه، مهما كان ناجحًا ومشهورًا وغامضًا، وإنما أيضًا لاختراق قلب المشاهد، فتنهمر دموعه وهو يفكر مع نجمه المفضل على الشاشة في إجابة للسؤال.
"بصراحة كيف حالك؟" كم مرة تمنيت أن تحظى بهذا المقعد المميز أمام الإعلامي أنس بوخش ليكون وسيطًا بينك وبين نفسك وتتحدث عما يدور بداخلك وتشعر به فعلاً؟ تفكر في إجابات حقيقية على الأسئلة التي اعتدنا ألا نتوقف أمامها كثيرًا رغم أننا نسمعها كل يوم، لأننا نعرف أن لا أحد يرغب في سماع الإجابة الحقيقية. لا أنت نفسك ولا من يطرح عليك السؤال، فنمرر بسرعة إجابة سطحية، لا تخدش جروحنا ولا تمنحنا الفرصة للتفكير فعلاً في حالنا، ولا تكشف هشاشتنا أمام السائل.
على مدار سنوات، نجح بوخش في كشف وجوه لم نعرفها أبدًا للمشاهير في العالم العربي بمختلف المجالات، بل وجوه ربما لم يعرفوها هم أنفسهم. وجه إليهم أسئلة شديدة البساطة، شديدة العمق كذلك. ومنحهم فرصة للتأمل وللغوص في داخلهم وربما التطرق إلى مناطق لم يستكشفوها منذ سنين، ومنحهم الأهم: أذن تسمع باهتمام، بلا انتقادات ولا أحكام ولا جدال. وماذا يحتاج الواحد منا أكثر من هذه الأذن المنصتة والتفهم؟
لم يكن غريبًا أن تحظى حلقاته الحوارية بأكثر من 40 مليون مشاهدة، فرغم أن منصات السوشيال ميديا والمنصات الإعلامية تضج بلقاءات المشاهير وحواراتهم، كان ما يقدمه بوخش في لقاءاته لا يشبه "الوجبات السريعة" التي تقدم عادة، وإنما يقدم وجبة منزلية دافئة أعدت على مهل. يقدم لنا أكثر ما نحتاجه في هذا الزمن: فرصة للصمت، لالتقاط الأنفاس، للتأمل في أنفسنا والتفكير في ما وصلنا إليه وما مررنا به وما يخيفنا وما يؤلمنا ونلعق كل الجراح التي لم يمنحنا الإيقاع السريع للحياة الفرصة لتركها تتعافى على مهل.
لوهلة حين عرفت بزيارة الإعلامي الإماراتي المميز إلى مصر، ولقائه مع صاحبة السعادة إسعاد يونس، تمنيت ككثيرين أن أحظى بفرصة للجلوس أمام بوخش، أن يسألني "بصراحة كيف حالك؟" أن أحصل على الفرصة للحوار مع نفسي، أتخيل أنني أخرجت قلبي ووضعته أمامي وأعتذر له عن كل ما جعلته يمر به، وبعد دقائق أستحضر سارة الطفلة، أهدهد خوفها وأخبرها أنها بطلة وأنها رغم كل هذا الخوف داخلها قطعت مسافة طويلة نحو أحلامها.
تمنيت ذلك ثم تذكرت أن بإمكاني دائمًا أن أفعل ذلك دون حتى أن أغادر مكاني. تذكرت رحلتي مع "عزيزي رفعت" والأثر المدهش للكتابة، حتى لو كنت أكتب رسائل لصديق خيالي، كتبت له مرة "حديثي إليك هو طريقة ملتوية للحديث إلى نفسي ولكن بحدة أقل.. من خلالك أواجه نفسي من خلف ستار يحجب عني حدتها، كمن ينزع الضمادات عن وجهه للمرة الأولى بعد حريق مرعب، وقبل أن يواجه ملامحه الجديدة أمام المرآة للمرة الأولى، يحاول أن يتحسس وجهه ليمهد لنفسه حجم الكارثة".
على مدار أكثر من 7 سنوات منحتني الكتابة الذاتية وتلك الرسائل فرصة عظيمة للتواصل مع نفسي والحوار معها، وساعدتني على استكشاف أكبر مخاوفي وجروحي، نقاط قوتي وضعفي، ومنحتني الفرصة لمعرفة أن الكثيرين حولي يشاركونني الهواجس والمخاوف نفسها. كانت كل رسالة تجيب بدقة عن سؤال "بصراحة كيف حالك؟" وتوثق لأفكاري وأحلامي وألمي في تلك اللحظة، وتساعدني كثيرًا حين أعود لمطالعتها الآن على تذكر الشخص الذي كنته، والشخص الذي أتمنى أن أكونه، وتساعدني على فهم من أنا الآن.
أنت أيضًا يا صديقي، بإمكانك أن تحظى بالفرصة نفسها، لا تحتاج لأن تكون نجمًا أو واحدًا من المشاهير لتحظى بمقعدك أمام أنس بوخش، يمكنك أن تبدأ الآن حوارك مع نفسك، بصراحة وصبر وتفهم. أنصت لصوت قلبك، لصوت الطفل في داخلك. تفهم أوجاعه ومخاوفه مهما بدت ساذجة وغير منطقية. اسمعه بلا أحكام ولا انتقادات. اربت عليه واحترم ألمه لتتمكن من احتوائه. يمكن أن تدون أسئلة بوخش البسيطة والصادقة والمباشرة جدًا في ورقة، وتبدأ رحلتك مع نفسك بالإجابة على هذه الأسئلة، لتعرف الآن وبكل سهولة كيف حالك بصراحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة