1
ما إن فُتح الستار وتتابعت أحداث مسلسل الحشاشين بطولة كريم عبد العزيز، أمام المشاهد إلا وتفجرت موجة من الانتقادات، بدأت بالحديث حول اللغة المستخدمة، ثم امتدت للأحداث التاريخية، ومرت فى المنتصف بالديكور المرتبط بالحقبة الزمنية المشار إليها.. لا بأس.. كلها أمور صحية تدل على أن المشاهد يهتم بهذا النوع من الأعمال الدرامية، وأن قطاعا واسعا يبحث ويطلع ولهذا يشتبك ويفند وينتقد.
2
في البدء كانت اللغة المستخدمة، هاج وماج البعض من استخدام العامية المصرية، معتبرين عدم استخدام الفصحى يفقد العمل رونقه، لكن أصحاب هذا الرأى تجاوزا عن كون الشخصيات الأصلية لا تتحدث العربية من الأساس، ولهذا تقديمهم بأى لغة أمر جائز إن كان ذلك يخدم العمل الدرامى، ما أن تخيلت عرض العمل بالعربية الفصحى، ذهب عقلى إلى عزوف قطاع واسع من الجمهور عن المتابعة، لصعوبة اللغة الوسيطة، ووجدتنى أذهب إلى تجربة فيلمي المصير والمهاجر، وقت عرضهما تفجر الجدل ذاته حول استخدام العامية المصرية كلغة وسيطة، ووجدتنى أقرب لاعتماد المنطق الذى برر من خلاله المخرج يوسف شاهين استخدام العامية فى الفيلمين وهو: "أن اللغة هى وعاء وسيط يضمن نقل الرسالة للجمهور، ولا تقديس لنطق بعينه"، ومن هذا المنطلق لا أجد لدى مشكلة فى استخدام العامية المصرية، خصوصا أنها اللغة الوحيدة القادرة على المرور إلى البيوت العربية على مختلف ثقافتها بسهولة، أكثر من أي لغة وسيطة أخرى.
3
ما أن فرغ الجمهور من الحديث حول اللغة، توجهوا سريعا نحو التاريخ، والتاريخ نفسه يبرئ العمل من الخطأ، فما من رواية متفق عليها حول "الحشاشين" الاسم المنتسبون إليه "الحشيش" اختلف المؤرخون حوله، ما بين أكلهم للحشائش، وما بين استخدام الصباح لمخدر "الحشيش" لإيهام أنصاره أنهم في الجنة، وبين ترجمة الكلمة من أخرى إنجليزية تعنى الاغتيالات، إذا لا وثيقة تاريخية ثابتة، ولا رواية مؤكدة، لكن ما أن كنت مصدقا في رواية بعينها وتريد فرضها فرضا على صناع العمل، فالكلمات المعنونة في بداية حلقات المسلسل تقول إن هذا العمل من وحى التاريخ وليس وثيقة تاريخية تحاسب محاسبة التأريخ، وهو الأمر الذى يفتح الباب أمام صناع المسلسل لخدمة فكرتهم التي يقدمونها، اتفقت أو اختلفت عليها، لكنه "فنيا" حقا أصيل لهم بموجب الاتفاق الموقع في بداية المسلسل، "من وحي التاريخ".
4
من منطلق الفكرة السابقة، نذهب إلى الديكور، الذى كان ثالث معارك بعض فئات الجمهور مع المسلسل، فذهب البعض إلى أنه ينتمى لعصر غير الذى ينتمى له حسن الصباح ورجاله، ومن الباب نفسه، يبرئ صناع العمل أنفسهم من حتمية الالتزام بديكور دقيق مئة بالمئة، أو تتابع أحداث دقيق مئة بالمئة، وكذلك مزج الشخصيات بنفس الدرجة من الدقة، بل كون العمل من وحي التاريخ وليس وثيقة تاريخية، يفتح المجال لصناع العمل إلى نهاية لا تشبه نهاية الطائفة، قد يكون بها إسقاط على شيء آخر، وهنا تجدر الإشارة إلى ما قاله بيتر ميمى مخرج المسلسل: "حول مقتل هتلر في بعض الأعمال السينمائية، على عكس ما هو مدون في التاريخ" وهنا هتلر ينتمى إلى تاريخ حديث يوجد دلائل عليه، على عكس حسن الصباح ورجاله الذى لا أثر خلفهم، وجميع ما روي عنهم هي روايات تتبعت الأثر من مستشرقين تارة، ومن عرب تارة أخرى، وبعضها تضارب.
5
في النهاية، سأظل أدعم هذا النوع من الإنتاج حتى وإن كان لى مآخذ شخصية عليه، فالدخول إلى هذا السوق يرتقى بالدراما المصرية إلى منافسة أعمال لم نكن ننافسها في وقت قريب، وكانت تخدم أهدافا توسعية قريبة لم تكن تناسبنا.. اليوم ننتج أعمالا ليست كاملة مئة بالمئة، أو لا تحصد الرضى الجماهير كله، وغدا ننتج أعمالا تحصد العلامة كاملة، أو كما قال بيتر ميمى على حسابه في فيس بوك" مع الوقت يتعمل أفضل وأكبر وأحسن من اللى إحنا عاملينه ومع الوقت ننافس"، ثم أدعم هذا النوع مرات ومرات لأنه يدفع الجمهور للبحث، وهنا يمكنك أن تسأل نفسك " كم مرة ذهبت للبحث عن معلومة تاريخية بعينها منذ أن بدأ عرض المسلسل؟" أليس هذا بكافِ؟" ألا يكفيك استفزاز الجمهور للبحث والتثقف والتعلم؟، وإن لم يكفيكِ فما الهدف من الدراما التاريخية من وجهة نظرك"؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة