بالتأكيد، "شهر رمضان" مختلف تماما في مصر عن باقي بلدان العالم، في مظاهر الاحتفالات والطقوس المختلفة، التي تدخل على القلوب السرور، والراحة والطمأنينة، وبالأخص في الجنوب بصعيدنا الطيب، حيث يكون هذا الشهر فرصة لـ"لم الشمل" والتقارب.
شهر رمضان قاردًا على تجميع "القريب والبعيد"، في "ليالي رمضانية" بالصعيد، حيث طقوس قراءة القرآن أو ما يعرف بـ"السهرات الرمضانية" فهي جزء أصيل من الاحتفال بهذا الشهر الكريم، حيث تمتد هذه السهرات لأوخر الليل حتى يسمع الجميع "طبلة المسحراتي"، فتتراص عليها القلوب فرحا بقدوم يوما جديد للشهر الكريم، يستعدون لصيامه.
أصوات التواشيح الدينية لـ"النقشبندي" و"طوبار"، قادرة على غسل القلوب، وتركها صفية نقية قبل آذان الفجر، مع نسمات الصباح بالقرب من الحقول ومجرى النيل في الوادي الخصيب.
في رمضان بالصعيد، كل "المنازل" مفتوحة لاستقبال الجميع، على الإفطار والسحور، وكل القلوب مفتوحة للجميع بالخير والبركة و"اللمة الحلوة" وضحكات من القلوب يتقاسمها الجميع في سهرات رمضانية، ينتمنون ألا تنتهي.
في ليالي قرآنية يسير فيها الأبناء والأحفاد على درب الأجداد، يتذكرون بالقرآن والدعاء أولئك الذين كانوا ذات رمضان يملؤون عالمنا ثم غيبتهم الأيام عنا، ورحلوا كالأحلام تاركين خلفهم البقايا الحزينة تملؤنا بالحزن كلما مررنا بها، أو مرت ذات ذكرى.
ليالي رمضان قادرة على تقريب وجهات النظر، والصلح بين المتناحرين، فهي فرصة لغلق مدن الأحقاد وطرق أبواب الرّحمة والمودّة، وزرع المساحات البيضاء في حنايا الشخص والتخلّص من المساحات السّوداء من داخله، والحرص على أن يكون الشخص ربانياً لا رمضانياً يجعل لرمضان في نفسه أثر يبقى بعد انتهائه ويستمرّ معه لعام قادم.
رمضان فرصة لترتيب الأنفس ولم البقايا المبعثرة والاقتراب من الأحلام البعيدة، واكتشاف مواطن الخير بداخلنا، وهزيمة النفس الأمارة بالسوء، وجهاد النفس قدر المستطاع، وغسل القلب قبل الجسد واللسان قبل اليدين، وافساد كل المحاولات لافساد الصيام، فعظموا شعائر الله فانها من تقوى القلوب.