شهر رمضان المعظم يذكرنا كل عام بنعمة الله تعالى على المؤمنين بالنصر العظيم فى يوم الفرقان، يوم غزوة بدر الكبرى، التى فرّق الله بها بين الحق والباطل، ونصر عباده المؤمنين على أعدائهم الذين ظلموهم وآذوهم، وليست غزوة بدر وحدها التى نصر الله فيها المسلمين فى شهر رمضان، بل كذلك فتح مكة، وموقعة اليرموك، وعين جالوت، وحديثا حرب أكتوبر المجيدة فى العاشر من رمضان، التى نصر الله فيها جنود مصر البواسل وأعاد لهم أرضهم المباركة.
هذه البشائر العزيزة تغرس الأمل دائما فى قلوب المؤمنين أن الله تعالى ناصرهم ومعينهم، وقد وعد الله تعالى بذلك، ووعده حق وقوله صدق، فقال عز من قائل: «وكان حقا علينا نصر المؤمنين »، فيتبين من هذا أن القوة الإيمانية تصمد وتنتصر أمام كثرة العدد والعتاد، وكم من فئة قليلة مؤمنة واثقة بالله تعالى محسنة فى تجهيزاتها وخطتها والتزامها غلبت فئة كثيرة مهما بلغت قوتها وإمكاناتها وأعوانها من البشر.
ومن المسلمات فى عقيدة المؤمن أن النصر من عند الله وحده، وأنه لا يكون فى حقيقة الأمر بالتفوق فى العدد والعتاد، ففى غزوة بدر الكبرى التى نعيش ذكراها فى شهر رمضان، كانت الأسباب المادية كلها فى صالح أعداء المسلمين، ومع ذلك نصر الله المؤمنين نصرا مؤزّرا، قال سبحانه: «ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة فاتقوا اللّه لعلّكم تشكرون «.
وقد أكّد الله سبحانه هذه الحقيقة فقال: «إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذى ينصركم مّن بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون «.
لكنّ التوكّل على الله تعالى فى النصر والتأييد لا ينافى الأخذ بالأسباب، بل إن الله تعالى لم يأمر بالتوكل إلا بعد الأخذ بالأسباب، فقال تعالى: «وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على اللّه»، وهذا يعنى أن يقدّم المؤمنون ما يقدرون عليه من الإعدادات الممكنة، من مشاورة أهل الاختصاص والخبرة، واستكمال أسباب النجاح بما يتناسب مع تطوّر الآلات والزمان والمكان كما تفعل الجيوش الحديثة التى تدافع عن الأرض والعرض، وفى مقدمتها جيش مصر الباسل، فإنهم يستكملون أسباب النجاح مستحضرين فى ذلك التوجيه الإلهى بذلك، فإذا استكملوا كل ذلك توكّلوا على الله ودعوه أن ينصرهم ويؤيدهم فإنه يستجيب لهم.
ومن أعظم وسائل الإعداد والأخذ بالأسباب اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وترابط القلوب، وإعلاء مصلحة الوطن، ونبذ الفرقة والخلاف والمصالح الشخصية، وقد صدق الله تعالى إذ يقول: «إنّ اللّه يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنّهم بنيان مرصوص »، وهذا يدل أول ما يدل على ضرورة الاتحاد، ودوره الكبير فى إحراز النصر فى كل الميادين.
إن سنة الأسباب من السنن التى أجرى الله تعالى الكون عليها، وهى ثابتة لا تتخلف، فجعل لكل شىء سببا يحصل بواسطته، صحيح أنه سبحانه له أقدار تنفذ رغم الأسباب فى بعض الحالات، لكن الغالب على نظام الكون أن سنة الأسباب ثابتة ونافذة، وكان المسلمون فى الصدر الأول يعلمون ذلك علم اليقين، فكانوا يستفرغون وسعهم فى الأخذ بالأسباب الظاهرة من التعليم والدراسة، والعمل المتقن، وإنكار الذات إعلاء للمصلحة العامة، ثم يتوجّهون إلى الله تعالى بكل خضوع وتبتل طالبين منه المعونة والنصر والتأييد، فيتحقق لهم بمجموع ذلك كله النصر المؤزر، وهذا يدلنا على أنه لا بد لتحقيق النصر من أمرين رئيسيين: التوكل الصادق على الله تعالى واليقين بقدرته وعونه، والأخذ بالأسباب الممكنة من التجهيز والإعداد، والتخطيط والتدريب، والمشورة النافعة لأهل الاختصاص والخبرة، وإسناد المهام لذوى الكفاءة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة