هناك سؤال مهم: طالما الحكومة المصرية تمتلك أفكارا، وقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، وإبرام صفقات لمشروعات كبرى، مثل صفقة مشروع تطوير وتنمية رأس الحكمة، بالمشاركة مع الأشقاء الإماراتيين، فلماذا تأخرت كل هذا الوقت فى عقد مثل هذه الصفقات، وإطلاق يد القطاع الخاص، للعمل بقوة؟
الإجابة عن هذا السؤال الجوهرى، تتضمن أكثر من سبب:
الأول: مصر خاضت ومنذ 2013 على وجه التحديد، حربا ضروس ضد الإرهاب، وهى معركة شرسة، دفعت فيها البلاد من أرواح خيرة شبابها الكثير، ونزيف حاد للاقتصاد المصرى العليل بفعل 25 يناير 2011، واستغرقت المعركة سنوات لاستعادة الأمن والاستقرار، والقضاء على حالة الفوضى فى الشارع، وهو ما يعد استثمارا فى الأمن، وأن الاستثمار الأمنى هو المفتاح السحرى لاستقدام الاستثمارات الأجنبية، فرأس المال جبان، ولا يذهب لمكان تعم فيه الفوضى، وتهدده نيران الإرهاب.
الثانى: معركة البناء، وتهيئة المناخ الاستثمارى، من خلال تطوير شامل للبنية التحتية، وإنشاء شبكة طرق وكبارى ومحاور، وضعت مصر فى قائمة العشرين الأوائل فى سلامة وجودة الطرق والنقل، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن البنك الدولى قَدر الخسائر التى تكبدها الاقتصاد المصرى فى 2014 بسبب ازدحام المرور فى القاهرة بمفردها بما يقرب من 8 مليارات دولار سنويا، وكان من المتوقع أن تصل الخسائر إلى 18 مليار دولار فى 2030 لو لم يتم التدخل.
ومن بين مقاييس تقدم الدول، أن تمتلك بنية تحتية وشبكة محاور قوية ومتطورة، وهذه ليست رفاهية أو ترفا، لذلك مصر أنجزت قرابة 20 ألف كيلومتر طرق سواء كانت طرقا جديدة أو رفع كفاءة وتطوير القديمة فيما يشبه الإنشاء الجديد.
المشروعات القومية فى البنية التحتية، وخاصة الطرق، كانت بمثابة إجراء عملية قلب مفتوح، لتسليك الشرايين المسدودة، والمسببة للأزمات القلبية، فالسفر لأى مكان فى مصر قبل النهضة الكبرى لشبكة الطرق، كان بمثابة معاناة حقيقية، تشبه السفر عن طريق رأس الرجاء الصالح، بعيدا عن قناة السويس، معاناة فى الوقت والجهد وزيادة فى الإنفاق، فالطرق السيئة تؤثر على العمر الافتراضى للمركبات، سواء كانت سيارات ملاكى أو أتوبيسات نقل وشاحنات نقل عملاقة.
الثالث: مصر أصابها ما أصاب دولا كثيرة من أزمات تسببت فى عرقلة انطلاقتها التنموية والاقتصادية، منذ نهاية 2019 وحتى كتابة هذه السطور، والبداية كانت انتشار وباء كورونا، وما استتبعه من نتائج سيئة على اقتصاد العالم، ركود وتضخم، ثم كانت الحرب الروسية الأوكرانية 2022 وهى ضربة قوية وعنيفة على وجه الاقتصاد الموجوع بفعل الإصابة بمرض كورونا، وما كاد الجسد الاقتصادى أن يتعافى ويلتقط أنفاسه، حتى فوجئنا باندلاع الحرب الأهلية فى السودان، ثم كانت الضربة المؤذية، باجتياح الجيش الإسرائيلى لقطاع غزة، وارتكاب مجازر وحشية، لا مثيل لها فى التاريخ.
حرب الإبادة الإسرائيلية، للفلسطينيين فى غزة، كان صداها وتأثيرها بالغا على جسد الاقتصاد المصرى المأزوم بفعل الأزمات العالمية السابقة، ومن بين هذه التأثيرات الخطيرة، ما يحدث فى البحر الأحمر، وانعكاسه على حركة التجارة العالمية ومرور السفن بقناة السويس، وأيضا على قطاع السياحة، والذى كان يُبشر بطفرة غير مسبوقة.
الأسباب الثلاثة، بجانب أسباب أخرى، كانت سببا حقيقيا فى تأخر عملية جذب الاستثمارات الأجنبية، بجانب أن الدولة كانت أولوياتها توفير المناخ والأرض الخصبة لاستقبال الاستثمارات الكبيرة والتى تحدث الفارق فى التنمية الاقتصادية، وتنقله نقلة نوعية، ولذلك فإنه خلال الفترة المقبلة ستشهد توقيع صفقات لمشروعات استثمارية كبيرة، ومنح فرص أكبر للقطاع الخاص الجاد فى الاستثمار، ما يبشر بطفرة اقتصادية، مع التمنيات أن تتوقف الأزمات العالمية عند هذا الحد، على أن تضع الحكومة المصرية، فى اعتبارها وقوع أزمات دولية فى أى لحظة، فتعد العدة من الآن.