تحل اليوم ذكرى وفاة واحد من أعظم القادة المسلمين على مر العصور، الذى تغلب على الصليبيين فى معركة حطين وحرر القدس، هو القائد صلاح الدين الأيوبي، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 4 مارس 1193، عن عمر يناهز 55 عامًا، وحكم آنذاك منطقة إسلامية موحدة تمتد من مصر إلى الجزيرة العربية، ويحتفى المسلمون والعديد من الغربيين حتى وقتنا هذا بصلاح الدين الأيوبي، وذلك تخليدًا لمهاراته السياسية والعسكرية فضلًا عن كرمه وفروسته.
وتأثر صلاح الدين بشجاعة عمه "أسد الدين شيركوه"، وتعلم منه خوض المعارك وقيادة الرجال، وعندما قرر نور الدين محمود الاستيلاء على مصر، ليتقوى بمواردها فى حرب مقبلة ضد الصليبيين، فانتدب أسد الدين شيركوه لهذه المهمة، وقد قرر أسد الدين شيركوه أن يشارك ابن أخيه صلاح الدين ليكون مساعدًا له فى هذه المهمة المشرفة، بعد أن خبر فيه مزايا كبار الأبطال.
وبالفعل رافق صلاح الدين عمه فى الحملات التى قام بها ضد الفاطميين فى مصر خلال سنوات 1164م و 1167م و1168م، وانتهى أمر هذه الحملات بتولية شيركوه منصب الوزارة فى عهد الخليفة الفاطمي العاضد.
وعندما توفي شيركوه خلفه صلاح الدين في منصب الوزارة عام 564هـ/1169م، وهو في الحادية والثلاثين من عمره. وقد حكم مصر بصفته تابعًا لنور الدين، وليس باسم الخليفة الفاطمي.
واستطاع في أولى سنين توليه الوزارة الانتصار على الصليبيين قرب دمياط، عندما قام "عموري" ملك القدس الصليبي بالزحف لاحتلال مصر من ناحية دمياط في عام 565هـ/1169م، فتمكن صلاح الدين من التصدي له وهزيمته، وقد أدى هذا الانتصار إلى زيادة نفوذ صلاح الدين في مصر، وتعزيز مكانته فيها.
كانت الدولة الفاطمية في تلك الأثناء في طور الاحتضار فقام صلاح الدين بالقضاء عليها قضاء رحيمًا، وأمر الخطباء أن يخطبوا في المساجد باسم الخليفة العباسي المقيم في بغداد وفي هذه الأثناء كان الخليفة الفاطمي مريضًا، فوافاه الأجل المحتوم دون أن يعلم بزوال دولته.
أخذ صلاح الدين يقوّي مركزه في مصر بعد إسقاط الدولة الفاطمية، ويسعى من أجل الاستقلال بها، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائه، وأزال أصول المذهب الشيعي ومظاهره، كما أسس مدرستين كبيرتين هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يُثبت المذهب السني في مصر، وكانت هاتان المدرستان تُلقنان علوم الشريعة وفق المذهبين المالكي والشافعي.
وعندما توفي نور الدين محمود في شوال 569هـ/ مايو 1174م، أصبح صلاح الدين سيد مصر الأوحد بشكل فعلي، واستقل عن كل تبعية سياسية، وأصبح رأس أقوى سلالة إسلامية حاكمة في ذلك الوقت، وهم الأيوبيين، وأصبحت مصر والمناطق التابعة لسلطانه وسلطان خلفائه تعرف بالدولة الأيوبية.
امتاز صلاح الدين بتمسكه بمبدأ الوحدة، فقد حرص على أن يوحد البلاد العربية ويطهرها من الدخلاء، وسنحت الظروف لصلاح الدين بالبدء في تحقيق فكرته عندما توفي نور الدين، فاعتبر صلاح الدين نفسه الوريث الروحي لدولة الشام، فعل بين سنتي 1174 و 1187 على جمع البلدان تحت رايته وكانت أولى جهوده الضرب على أيدي ذوي المصالح الشخصية حتى يمهد السبيل لمواجهة الصليبيين، ثم شيد قلعة صلاح الدين على جبل المقطم عام 1176، وعرفت بقلعة الجبل. وكان في تلك الأثناء قد فتح اليمن وفلسطين، واستولى على دمشق وحلب في حربه ضد الحشاشين.
حروبه مع الصليبيين
المكانة الكبرى التي حققها صلاح الدين لنفسه في التاريخ جاءت نتيجة موقفه الحازم من الصليبيين.
وكانت المعركة الكبرى الفاصلة بين صلاح الدين والصليبيين هي موقعة حطين ربيع الآخر 583هـ/ يولية 1187م، حيث استطاع صلاح الدين هزيمة الصليبيين هزيمة نكراء، وقام بعدها بتحرير بيت المقدس من يد الصليبيين، كما حرر الكثير من مدن الساحل.
على إثر انتصارات صلاح الدين دعا بابا روما “جريجوري الثامن” ملوك أوروبا بالقيام بحملة صليبية جديدة لمواجهة صلاح الدين واستعادة بيت المقدس من قبضته، وبالفعل جاءت الحملية الصليبية الثالثة بقيادة "ريتشارد قلب الأسد" ملك إنجلترا بعد عامين من حطين دون أن يظفر قلب الأسد باسترجاع بيت المقدس.
وانتهى القتال بين الفريقين بصلح الرملة عام 588ه/1192م، وبمقتضاه لم يبق في أيدي الصليبيين سوى شريط ساحلي يمتد بين صور ويافا. وهكذا كانت حروب صلاح الدين بداية النهاية للغزوات الصليبية، فقد كان لها من الضربات القوية ما جعلها تتحول من الهجوم إلى الدفاع عما تبقى لها من ممتلكات متناثرة تعرضت للانحلال والذبول.