هل الهوية المصرية في إزمة ؟! ..
سؤال يتبادر إلي الذهن في كل مرحلة مهمة تمر بها مصر مثلما هو الحال الآن في مرحلة بناء الإنسان المصري . الحقيقة إن هناك أزمة هوية وخاصة عند الأجيال الجديدة من الشباب الذين لا يدركون بوضوح مكونات الهوية المصرية ومدي تميزها وانها ذات طابع خاص وفريد ، وساعد علي هذا الارتباك إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي ودفع بالشباب إلي إعادة التفكير في هويته الوطنية.
إن أزمة الهوية ليست بجديدة بل إن أغلب الدول دخلت هذا الصراع الكبير حول الهوية حيث تطرح سؤال "من نحن" و"ما الذي يميزنا عن سائر الأمم الأخرى" لتعيد التأكيد علي ثوابتها، فالهوية الوطنية هي أحد العناصر الأساسية للدولة الحديثة لأن انتماء الناس للوطن يقوم على إنتمائهم الى هويتهم وتشكل قضية الوعي بهذه الهوية أحد أهم ملامح تعزيز هذا الانتماء .
والحديث عن هوية مصر يبدأ من موقعها الجغرافي الفريد أو ما أسماه جمال حمدان: "عبقرية المكان "الذي يتعامد عليه الزمان في تعاقب قرونه وحقبه ، ولذلك فهوية مصر هي ناتج تفاعل الحقب التي مرت عليها جميعا. و لابد من الاعتراف بقوة وسيادة تنوع مكونات النموذج المصري في البناء القيمي للهوية والتي أقرتها الدساتير المصرية المختلفة وأي محاولة لخفض الهوية المصرية الى مكون واحد فاشلة فهوية مصر هي نتاج حركة حضارية من قبل المصريين عبر العصور و تفاعل بين الاستمرارية والتغيير و حاصل ضرب مختلف الحضارات و الثقافات و الأديان وعليه انفتحت مصر علي كل ما هو جديد تأخذ ما يفيدها وتلفظ ما يضر نواتها الصلبة الثقافية حيث يشبه نموذج الهوية المصري بنموذج الفسيفساء (الموازيك) الذي يتكون من مجموعة القطع المختلفة لتشكل لوحة متكاملة.
ويلاحظ حاليا الإعتماد الكبير علي وسائل الإعلام مما يؤثر علي تشكيل وعي المواطن واتجاهاته نحو القضايا المختلفة الوطنية منها والقومية مع فترة الأزمات التي يشهدها المجتمع حاليا والتي تحدث حالة من الحيرة حول هذه الهوية وملامحها وطرق تشكيلها ، وهو الأمر الذي يرتبط بمدي قدرة الإعلام علي تشكيل الهوية المصرية وتعزيز قيمها من خلال ما يقدمه من محتوي متنوع ومضامين متنوعة الأبعاد والاتجاهات وعاملا مهما لمساعدة الدولة على مواجهة تاثيرات العولمة المتزايدة .
وهو ما لا يظهر بوضوح في الخطاب الإعلامي بسبب غياب وجود إستراتيجية وطنية لدعم الهوية المصرية أو رؤية لها في الخطاب الإعلامي.
وهنا يأتي أهمية تقديم رؤية اعلامية واضحة للإعلام المصري بمختلف أنواعه لتقديم قيم الهوية في مكوناتها المتعددة من اللغة العربية والثقافة والدين والتاريخ العربي وغيره، وإبراز أهمية الهوية في بناء المقاومة الذاتية وتقديم أنفسنا للآخر ، وايضا فض الاشتباك بين ثنائية الوحدة والتنوع في الهوية العربية .
ومن الأهمية أن تسعي هذه الرؤية الي تدعيم دور الإعلام الوطني لمواجهة كل ما هو من شأنه مسخ الهوية في معركة الوعي .
والأمر قد يتطلب رؤية إعلامية متكاملة تتبناها الدولة و يشترك فيهامجموعات عمل في مختلف المجالات الثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها لصياغة مفهوم وقيم الهوية من اجل وضع مؤشرات محددة لتعريف الهوية في المجتمع المصري وتحديد آلياتها والأطر التي ترسم قيمها ومكوناتها بإعتبار أن مفهوم الهوية هي حائط الصد الرئيسي للإنسان المصري من محاولات التفتيت والإضعاف والسيطرة عليه من إية قوي معادية وايضا لتفعيل دور الإعلام فى دعم الهوية المصرية، والثقافة، والاهتمام بتعريف شبابنا تراثنا وحضارتنا وترسيخ الانتماء والوقوف صفًا واحدًا بجانب الوطن فى معركة البناء وهو ما يتطلب دعم دور الاعلام الوطني في تعزيز قيم الهوية كضرورة وطنية ملحة في مسيرة بناء الجمهورية الجديدة .