"صلاة التراويح سُنَّة نبوية فى أصلها وعُمَرية فى كيفيتها" ما حكم الشرع الحنيف فى عدد ركعاتها؟ وهل تصح صلاتها بثمانى ركعات كما هو شائع فى المساجد الآن؟.. دار الإفتاء تجيب

السبت، 09 مارس 2024 09:00 ص
"صلاة التراويح سُنَّة نبوية فى أصلها وعُمَرية فى كيفيتها" ما حكم الشرع الحنيف فى عدد ركعاتها؟ وهل تصح صلاتها بثمانى ركعات كما هو شائع فى المساجد الآن؟.. دار الإفتاء تجيب دار الإفتاء المصرية
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قالت دار الإفتاء إن صلاة التراويح سُنَّةٌ نبويَّةٌ في أصلها، وعُمَريَّةٌ في كيفيتها وعدد ركعاتها (الثلاث والعشرين بالوتر)، وهو ما عليه جماهير العلماء وعامَّة الفقهاء، والاقتصار فيها على ثماني ركَعَات والإيتار بعدها بثلاثٍ -كما عليه الغالب من عادة الناس- مجزئٌ وموافقٌ لأصل السُّنَّة من قيامه صلى الله عليه وآله وسلم؛ على ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء، ويثاب المصلي على ذلك ثواب كونها من التراويح حتى وإن نقص عن الثمانية؛ على ما ذهب إليه فقهاء الشافعية.
 

الإكثار من النوافل في الشرع

من المقرر شرعًا أنَّ الإكثار من النوافل سبب لمحبة الله تعالى؛ فقد روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ربِّ العزة، أنه قال: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».
 

صلاة التراويح من النوافل

ومن هذه النوافل والسنن التي رغَّب سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاتها والمحافظة عليها: صلاةُ التراويح في شهر رمضان المبارك، وهي سنةٌ مؤكدة للرجال والنساء، وقد سنَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله وفعله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفقٌ عليه.
 
وعن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى ذات ليلةٍ في المسجد، فصلَّى بصلاته ناسٌ، ثُمَّ صلى من القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاس، ثُمَّ اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلمَّا أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني مِنَ الخروج إليكم إلَّا أَنِّي خشيت أَنْ تُفْرَضَ عليكمْ» وذلك في رمضان. متفقٌ عليه.
 
وعنها أيضًا أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدَّ مِئْزَرَهُ، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" متفقٌ عليه.
 

التراويح في اللغة

والتراويح في اللغة: جمع الترويحة؛ يقول العلامة ابن منظور في لسان العرب (2/ 462، ط. دار صادر): [التَّرويحةُ في شهر رمضان: سمِّيت بذلك لاستراحة القوم بعد كلِّ أَربع ركعات؛ وفي الحديث: صلاة التراويح؛ لأَنهم كانوا يستريحون بين كلِّ تسليمتين. والتراويح: جمع تَروِيحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، تَفعِيلة منها، مثل تسليمة من السَّلام] اهـ.
 

عدد ركعات التراويح

وأما عدد ركعاتها: فقد اتفق جمهور الفقهاء؛ من الحنفية، والمالكية في المشهور، والشافعية، والحنابلة على أن صلاة التراويح عشرون ركعة مِن غير الوتر، وثلاث وعشرون ركعة بالوتر، وهو معتمد المذاهب الفقهية الأربعة، وهناك قول نُقِل عن المالكية خلاف المشهور أنها ستٌّ وثلاثون ركعة، ونُقل في عمل بعض البلاد أنهم يقومون بإحدى وأربعين ركعة، يوترون منها بخمسٍ.
 
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 144، ط. دار المعرفة) عن عدد التراويح: [إنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا، وقال مالك رحمه الله تعالى: السُّنَّة فيها ستة وثلاثون] اهـ.
 
وقال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 288، ط. دار الكتب العلمية): [وأما قدرها: فعشرون ركعة في عشر تسليمات، في خمس ترويحات، كلُّ تسليمتين ترويحة، وهذا قول عامة العلماء] اهـ.
 
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 46، ط. دار الفكر): [قوله: وهي عشرون ركعة؛ هو قول الجمهور، وعليه عملُ الناس شرقًا وغربًا] اهـ.
 
وأما المالكية فالمشهور من مذهبهم ما يوافق الجمهور، قال العلامة الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 404-405، ط. دار المعارف): [(والتراويح): برمضان (وهي عشرون ركعة) بعد صلاة العشاء، يسلم من كلِّ ركعتين غير الشفع والوتر. (و) ندب (الختم فيها): أي التراويح، بأن يقرأ كلَّ ليلةٍ جزءًا يفرِّقه على العشرين ركعة] اهـ.
 
وذكر العلامة النفراوي في "الفواكه الدواني" (1/ 318-319، ط. دار الفكر) قوة مذهب الجمهور، وموافقة أتباع الإمام مالك له، والقول الآخر فقال: [(وكان السلف الصالح) وهم الصحابة (يقومون فيه) في زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبأمره.. (في المساجد بعشرين ركعة) وهو اختيار أبي حنيفة والشافعي وأحمد، والعمل عليه الآن في سائر الأمصار. (ثم) بعد صلاة العشرين (يوترون بثلاث) من باب تغليب الأشرف، لا أن الثلاث وتر؛ لأن الوتر ركعة واحدة.. ويدل على ذلك قوله: (ويفصلون بين الشفع والوتر بسلام) استحبابًا، ويكره الوصل إلا لاقتداء بواصل، وقال أبو حنيفة: لا يفصل بينهما، وخَيَّر الشافعيُّ بين الفصل والوصل، واستمر عمل الناس على الثلاثة والعشرين شرقًا وغربًا. (ثم) بعد وقعة الحَرّة بالمدينة (صلوا) أي السلفُ غيرَ الذين تقدموا؛ لأن المراد بهم هنا مَن كان في زمن عمر بن عبد العزيز (بعد ذلك) العددِ الذي كان في زمن عمر بن الخطاب (ستًّا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر).. إلى أن قال: وهذا اختاره مالك في المدونة واستحسنه، وعليه عمل أهل المدينة، ورجح بعض أتباعه الأول الذي جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس عليها لاستمرار العمل في جميع الأمصار عليه] اهـ.
 
وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 527، ط. دار الفكر): [مذهبنا: أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر، وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وداود، وغيرهم، ونقله القاضي عِياض عن جمهور العلماء. وحكي أن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع. وقال مالك: التراويح تسع ترويحات، وهي ستٌّ وثلاثون ركعة غير الوتر. واحتج بأن أهل المدينة يفعلونها هكذا] اهـ.
 
وقد جمع بعض محققي الشافعية بين مذهب المالكية ومذهب الجمهور؛ حيث علَّلُوا زيادة الركعات عند الإمام مالك بأن ذلك لتعويض الطواف في المسجد الحرام.
 
قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (2/ 240-241، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وهي عندنا لغير أهل المدينة عشرون ركعة، كما أطبقوا عليها في زمن عمر رضي الله عنه، لما اقتضى نظره السديد جمع الناس على إمام واحد، فوافقوه، وكانوا يوترون عقبها بثلاث، وسرّ العشرين أن الرواتب المؤكدة غير رمضان عشر فضوعفت فيه؛ لأنه وقت جِدٍّ وتشمير، ولهم فقط لشرفهم بجواره صلى الله عليه وآله وسلم ست وثلاثون؛ جبرًا لهم بزيادة ستة عشر في مقابلة طواف أهل مكة أربعة أَسْبَاعٍ، بين كلِّ ترويحة من العشرين سَبْعٌ] اهـ.
 
وقال العلامة شهاب الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (2/ 127، ط. دار الفكر): [وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كلِّ ليلة من رمضان؛ لما روي أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة. وفي رواية لمالك في "الموطأ" بثلاث وعشرين. وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاثٍ، وقد جمع الناس على قيام شهر رمضان: الرجال على أُبيِّ بن كعب، والنساء على سليمان بن أبي حَثمة، وقد انقطع الناس عن فعلها جماعة في المسجد إلى ذلك، وسميت كلُّ أربعٍ منها ترويحة؛ لأنهم كانوا يتروحون عقبها: أي يستريحون] اهـ.
 
وصرح الحنابلة بأن المختار عند الإمام أحمد أنها عشرون ركعة، فقال الإمام موفق الدين ابن قدامة في "المغني" (1/ 456، ط. مكتبة القاهرة): [والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله فيها عشرون ركعة. وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي. وقال مالك: ستٌّ وثلاثون. وزعم أنه الأمر القديم، وتعلق بفعل أهل المدينة، فإن صالحًا مَولى التَّوأَمةِ قال: أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة، يوترون منها بخمس] اهـ.
 
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 425، ط. دار الكتب العلمية): [سميت بذلك لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون، وقيل: مشتقة من المراوحة وهي التكرار في الفعل، وهي (عشرون ركعة في رمضان) لما روى مالك عن يزيد بن رُومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين] اهـ.
 

اختيار الفقهاء لعدد ركعات التراويح

وما اختاره الفقهاء من أن الأصل في صلاة التراويح أن تصلى عشرون ركعة، هو الموافق لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وصحابته رضي الله عنه، وما جرى عليه فعل الخلف والسلف من بعدهم من غير نكير.
 
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ» أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والطبراني في "معجميه: الأوسط والكبير" بلفظ: «يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوِتْرِ»، وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" بلفظ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ».
 
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة. قال: وكانوا يقرءون بالمِئين، وكانوا يتوكؤون على عِصِيِّهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام.
 
وعن يزيد بن رُومان، قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. أخرجهما الإمام مالك في "الموطأ"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
 
ولا يخفى ما في فعل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أحد الخلفاء الأربعة من حجة شرعية؛ ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» أخرجه الإمام أبو داود والترمذي وابن ماجه في "سننهم".
 

حكم صلاة التراويح ثمان ركعات

أما بالنسبة للغالب من عمل الناس اليوم من الاقتصار في صلاة التراويح على ثماني ركَعَات، والإيتار بعدها بثلاثٍ، فهو صحيحٌ، لأنه وافق أصل السُّنَّة من قيامه صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك على ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء من جهة، ومن جهة أخرى فقد نصَّ الشافعيةُ على أن ذلك يجزئه ويُثاب على ما أتى به منها ثوابَ كونها من التراويح، ولا يؤثر في ذلك قصدُ الاقتصار على ثمانيةٍ ابتداءً.
 
وقد ذكر فقهاء المذاهب الأربعة القول بمشروعية صلاتها ثماني ركعات، والأصل في ذلك عموم ما ورد عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تَسَل عن حُسنِهنّ وطُولِهنّ، ثم يصلي أربعًا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ فقال: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِى» رواه البخاري ومسلم.
 
وهذا الحديث يحكي عن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نافلة قيام الليل عمومًا، أمَّا صلاة التراويح بخصوصها؛ فهي قيامُ ليلٍ يختصُّ به شهر رمضان، وهي سنة نبويةٌ في أصلها، عُمَرِيَّةٌ في كيفيتها، بمعنى أن الأمة صارت على ما سَنَّه سيدُنا عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه مِن تجميع الناس على القيام في رمضان في جميع الليالي، وعلى عدد الركعات التي جمع الناس عليها على أُبَيّ بنِ كَعب رضي الله عنه.
 
ويدلُّ على ذلك: ما رواه الإمام مالك في "الموطأ"، والبخاري في "صحيحه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ أنه قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أَوزاعٌ متفرقون: يصلي الرجلُ لنفسه، ويصلي الرجلُ فيصلي بصلاته الرَّهطُ، فقال عمر: "إني أرى لو جَمَعتُ هؤلاء على قارئ واحدٍ لكان أَمثَلَ"، ثم عزم فجمعهم على أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: "نِعمَ البدعةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضل مِن التي يقومون"، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.
 
ويدلُّ على أصل القول بجواز صلاتها ثمان ركعات: ما أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: "أمر عمر بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميمًا الداري رضي الله عنهم أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنَّا نعتمد على العصي؛ من طول القيام، وما كنَّا ننصرف إلا في بزوغ الفجر".
 
قال الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في "المنتقى" (1/ 208-209، ط. السعادة): [قوله "أمر عمر بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميمًا الداري رضي الله عنهم أن يقوما للناس"؛ يعني أن يؤماهم في قيام رمضان.. وقوله "إحدى عشر ركعة" يقتضي أنه كان يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر بركعة.. ولعل عمر إنما امتثل في ذلك صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الليل على ما روته عائشة.. وقد اختلفت الرواية فيما كان يصلي به في رمضان في زمان عمر؛ فروى السائب بن يزيد إحدى عشرة ركعة، وروى يزيد بن رومان ثلاثًا وعشرين ركعة، وروى نافع مولى ابن عمر أنَّه أدرك النَّاس يصلون بتسعٍ وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث وهو الذي اختاره مالك، واختار الشافعي عشرين ركعة غير الوتر على حديث يزيد بن رومان، ويحتمل أن يكون عمر أمرهم بإحدى عشرة ركعة وأمرهم مع ذلك بطول القراءة يقرأ القارئ بالمئين في الركعة؛ لأن التطويل في القراءة أفضل الصلاة فلما ضعف الناس عن ذلك أمرهم بثلاث وعشرين ركعة على وجه التخفيف عنهم من طول القيام واستدراك بعض الفضيلة بزيادة الركعات وكان يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات أو اثنتي عشرة على حديث الأعرج، وقد قيل إنَّه كان يقرأ من ثلاثين آية إلى عشرين، وكان الأمر على ذلك إلى يوم الحرة فثَقُلَ عليهم القيام فنقصوا من القراءة وزادوا في عدد الركعات فجاءت ستًّا وثلاثين ركعةً والوتر بثلاثٍ؛ فمضى الأمر على ذلك، وأمر عمر بن عبد العزيز في أيامه أن يقرأ في كل ركعةٍ بعشر آيات، وكره مالك أن ينتقص من ذلك وتر القراءة وهو الذي مضى عليه عمل الأئمة، واتفق عليه رأي الجماعة فكان هو الأفضل بمعنى التخفيف. قال الشيخ أبو القاسم: وهذا في الآيات الطوال ويزيد على ذلك في الآيات الخفاف.. وهذا عندي في الجماعات والمساجد ولو استطاع أحد في خاصة نفسه أن يصلي بإحدى عشرة ركعة في كلِّ ركعة بالمئين لكان أفضل] اهـ.
 
ومما يدل على مشروعية صلاتها ثماني ركعات أيضًا: ما أخرجه الإمام أبو يعلى في "مسنده" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: جاء أبيُّ بن كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إن كان مني الليلة شيء يعني في رمضان، قال: «وما ذاك يا أبيُّ؟»، قال: نسوة في داري، قلن: إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك، قال: فصليت بهن ثمان ركعات، ثم أوترت، قال: فكان شِبْهُ الرضا ولم يقل شيئًا.
 
وقد نقل القول بمشروعية صلاتها ثماني ركعات غير واحد من الفقهاء؛ لأن الأصل فيها أنَّها غير مؤقتة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعددٍ معينٍ، وأنَّ صلاتها ثماني ركعات من السُّنَّة، أما ما زاد على ذلك فهو من قبيل المستحب.
 
قال الإمام الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (1/ 467- 468، ط. دار الفكر) بعد بحثه عدد التراويح وأدلته: [وروى البيهقي في "المعرفة" عن السائب بن يزيد قال: كنا نقوم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر، قال النووي في "الخلاصة": إسناده صحيح.
 
وفي "الموطإ" رواية بإحدى عشرة؛ وجمع بينهما بأنه وقع أَولًا ثم استقر الأمر على العشرين فإنه المتوارث، فتحصل من هذا كله أن قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة فعله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تركه لعذر، أفاد أنه لولا خشية ذلك لواظبت بكم، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم فيكون سُنَّةٌ، وكونها عشرين سُنَّةَ الخلفاء الراشدين، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» ندب إلى سنتهم، ولا يستلزم كون ذلك سنته. إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر، وبتقدير عدم ذلك العذر إنما استفدنا أنه كان يواظب على ما وقع منه وهو ما ذكرنا؛ فتكون العشرون مستحبًّا، وذلك القدر منها هو السُّنَّة؛ كالأربع بعد العشاء مستحبة، وركعتان منها هي السُّنَّة] اهـ.
 
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 407، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال سند: واختار مالك في "مختصر ما ليس في المختصر" إحدى عشرة ركعة، وهي صلاته عليه السلام، والذي جمع عليها الناس عمر رضي الله عنه] اهـ.
 
وقال الإمام أبو الطاهر التنوخي المالكي في "التنبيه" (2/ 763، ط. دار ابن حزم): [وليس في أعداد الركعات شيء مؤقت لا يجوز غيره. وقد روي: إحدى عشرةَ ركعةً كقيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروي ثلاثة وعشرون، وروي تسعة وثلاثون. وهذا الذي استحب مالك.
 
وبالجملة ليس فيها توقيت كما قدمناه. وإذا كثرت الركعات قلَّت القراءة، وبالعكس] اهـ.
 
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج"(2/ 225، ط. المكتبة التجارية، مع حاشية الشرواني): [وكذا من أتى ببعض التراويح] اهـ.
 
قال الإمام الشرواني الشافعي مُحشِّيًا عليه: [أي: كالاقتصار على الثمانية فيثاب عليهم ثواب كونها من التراويح، وإن قصد ابتداءً الاقتصار عليها؛ كما هو المعتاد في بعض الأقطار] اهـ.
 
وقال العلامة الحضرمي في "شرح المقدمة الحضرمية" (ص: 312، ط. دار المنهاج): [وكذا من أتى ببعض التراويح، أثيب على ما أتى به ثواب التراويح، كما في "التحفة"، زاد الرشيدي: وإن قصد الاقتصار عليه] اهـ.
 
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 180، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وهي عشرون ركعة) هكذا قال أكثر الأصحاب، وقال في "الرعاية": عشرون، وقيل: أو أزيد قال في "الفروع"، و"الفائق": ولا بأس بالزيادة نص عليه، وقال: روي في هذا ألوان، ولم يقض فيها بشيء، وقال الشيخ تقي الدين: كل ذلك أو إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة حسن، كما نص عليه أحمد، لعدم التوقيت فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره] اهـ.
 
التوفيق بين الروايات والأقوال في صلاة التراويح
وقد اجتهد جمع من العلماء في التوفيق بين الروايات والأقوال، وبيَّنوا أن الاختلاف في عدد الركعات مردُّه إلى اختلاف أحوال الناس في الصلاة بحسب التطويل والتقصير، فكل ما كانت القراءة قصيرة كان العدد أكثر والعكس.
 
قال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 253، ط. دار المعرفة): [وقد اختلف في ذلك؛ ففي الموطأ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنها إحدى عشرة، ورواه سعيد بن منصور من وجه آخر، وزاد فيه: وكانوا يقرؤون بالمائتين ويقومون على العصي من طول القيام، ورواه محمد بن نصر المروزي من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف، فقال: ثلاث عشرة، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف، فقال: إحدى وعشرين، وروى مالك من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عشرين ركعة، وهذا محمول على غير الوتر، وعن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بثلاث وعشرين، وروى محمد بن نصر من طريق عطاء، قال: أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث ركعات الوتر، والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها؛ فحيث يطيل القراءة تقل الركعات وبالعكس] اهـ.
 
ويؤكد الشيخ ابن تيمية الحنبلي ما ذهب إليه الأئمة، ويُقرُّ بأنه السنة عند كثير من العلماء، فيقول في "مجموع الفتاوى" (22/ 272، ط. مجمع الملك فهد): [أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه عددًا معيَّنًا؛ بل كان هو صلى الله عليه وآله وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أبيِّ بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ؛ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن. والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين؛ فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها. كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره، هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين؛ فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك. وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره. ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مُوَقَّتٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ] اهـ.
 
أما القول بوجوب الاقتصار على إحدى عشرة ركعة في التراويح فقط بدعوى أن الزيادة عليها بدعة: فغير سديد؛ ولا يؤيده نص صريح، ولا معقول صريح. أما الحديث فقد تأوله العلماء بأن هذا كان في أول الأمر؛ قال الإمام زين الدين العراقي في "طرح التثريب" (3/ 97، ط. دار إحياء التراث العربي): [لم يبين في هذا الحديث عدد الركعات التي صلاهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليالي في المسجد وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «ما زاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة» فالظاهر أنه كذلك فعل في هذا المحل لكن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على صلاة التراويح في شهر رمضان مقتدين بأبيِّ بن كعب صلى بهم عشرين ركعة غير الوتر وهو ثلاث ركعات.. قال البيهقي يجمع بين الروايات بأنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة ثم قاموا بعشرين وأوتروا بثلاثٍ] اهـ.
 
فالحقُّ أن ذلك بدعة حسنة ومقبولة جرى عليها العمل من دون نكير من أحد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فصار كالإجماع.
 
قال الإمام زين الدين العراقي في "طرح التثريب" (3/ 97): [وعدُّوا ما وقع في زمن عمر رضي الله عنه كالإجماع] اهـ.
 
لذا، فإنَّ القول ببدعية ما زاد على إحدى عشرة ركعة هو عين التنطع في الدِّين ومن البدعة المذمومة التي جاء الشرع بالنهي عنها، وهو قول خالف به صاحبه ما تتابعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا، وهو المعمول به والمستقر بين العلماء والأمة؛ حيث إنَّه قد حجَّر واسعًا وضيَّق ما وسعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإطلاق النهي عن الزيادة عن إحدى عشرة ركعة غير صحيح ولا يلتفت إليه ولا يعول عليه.
 
 
وبناءً عليه: فصلاة التراويح سُنَّةٌ نبويَّةٌ في أصلها، وعُمَريَّةٌ في كيفيتها وعدد ركعاتها (الثلاث والعشرين بالوتر)، وهو ما عليه جماهير العلماء وعامَّة الفقهاء، والاقتصار فيها على ثماني ركَعَات والإيتار بعدها بثلاثٍ -كما عليه الغالب من عادة الناس- مجزئٌ وموافقٌ لأصل السُّنَّة من قيامه صلى الله عليه وآله وسلم؛ على ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء، ويثاب المصلي على ذلك ثواب كونها من التراويح حتى وإن نقص عن الثمانية؛ على ما ذهب إليه الشافعية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة