أحمد إبراهيم الشريف

يجذب المعادن ويحب الكلاب.. الكتابة الذكية

الإثنين، 01 أبريل 2024 05:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انتهيت من قراءة المجموعة القصصية "يجذب المعادن ويحب الكلاب" للكاتب محمد البرمي، والصادرة عن دار نشر الكتب خان، وهي مجموعة غنية، وبها العديد من الإشارات التي تصلح مدخلًا لقراءتها، وعلى تنوع المداخل يمكن أن نقرأ المجموعة من باب "الكتابة الذكية".

والكتابة الذكية معناها اختيار المناسب لما يريد الكاتب قوله والتعبير عنه، وكذلك التوفيق بين هذه الاختيارات كي لا يكون هناك تنافر أو تضاد، وهو ما يمكن ملاحظته في الرؤية والصياغة معًا في مجموعة "يجذب المعادن ويحب الكلاب"، وأن يكون الذكاء متوفر أيضا في الإيحاء العام الذي تدخلك المجموعة فيه، كذلك في الإحالات المبثوثة في العمل، وفي الخطاب المضمر الكامن تحت هذه القصص.

وأول ما نلاحظ من الكتابة الذكية في "العناوين" فهي معبرة وبها رشاقة في اللغة ودلالة في المعانى.  البداية من عنوان المجموعة "يجذب المعادن ويحب الكلاب" فللوهلة الأولى ستعرف أنه ليس عنوانا مجانيا، ولن يعطيك نفسه بسهولة، لأنك حتما ستفكر في ذلك الذي يجذب المعادن، هل هي آلة ما، هل هو كائن خرافي؟ ولن تعرف أنه إنسان ضعيف وطيب يعاني بصورة ما إلا عندما تصل إلى القصة التي تحمل الاسم نفسه، وقس على ذلك كل عناوين القصص بداية من القصة الأولى "رباط الحذاء الذي خطط لقتلي" فهو عنوان مخادع يشعرك بأنك أمام فنتازيا مكتملة، قبل أن تجد نفسك في مواجهة شخص عادي له هواجسه ومخاوفه وله أيضا أحلامه.
ويظل عنوان "وقائع مقتل السيدة مرسيدس" الأكثر وقعًا بالنسبة إلىَّ من حيث سر العلاقة بين العنوان والمتن، والربط بين عالمين مختلفين، وكيف استطاعت إشارة واحدة أن تكشف الكثير من بنية الشخصيات وبنية المجتمع.
بالطبع لن أستعرض جميع العناوين في المجموعة القصصية لكنها تشكل في مجملها درجة كافية من ذكاء الاختيار وذكاء الدلالة.

أما المحور الثاني الدال على ذكاء الكتابة في المجموعة فهي "اللغة" التي استطاعت أن تنقل الرؤية وتدخل بنا في الأدبية، لكنها في الوقت نفسه تتحرك بالحدث إلى الأمام، ولا تدور  بنا حول المعنى، وهذه اللغة دالة على فكر محمد البرمي، ومفهومه للفن القصصي في المجمل.

وثالث المحاور الدالة على الذكاء يكمن في الخطاب الكامن في السرد، فما الذي يريد أن يقوله محمد البرمي في المجموعة؟
توجد داخل النصوص معانٍ كثيرة في المجموعة مرتبطة بالعزلة، والهزيمة الداخلية والخارجية أيضًا، والشعور بالخوف، ومراقبة التحولات التي أصابت الإنسان، والشعور القاسي بمرور الزمن وتسرب العمر، والأب وقيمته، والأم وحنيتها اللازم لاستمرار الحياة، والحياة وقسوتها،  وغيرها من المعاني المبثوثة في القصص، ومع ذلك لم يصرخ محمد البرمي ولم يقل لنا "هنا فكرة" بل ساق ذلك داخل الفن وتركنا نتلقى الصدى.
ومن الذكاء أيضا أن يحتفي محمد البرمي بالإنسان، لأن الأدب المرتبط بالإنسان يعيش، فكل منا يجد نفسه بصورة أو بأخرى داخل إحدى القصص، كما أن الشجن لا يغيب أبدًا، والحب المتحقق أو الضائع يحجز لنفسه حيزا من روح الكتابة، وغير ذلك من المشاعر التي تحفظ إنسانية الكتابة وتجعلها قابلة للديمومة وبعيدة عن الجمود.
لقد استطاع محمد البرمي أن يثير في داخلنا نوعًا من  كسر الإيهام وجعلنا نظن بأنه يكتب ما يعرفه، وأن تلك القصص قد خبرها، ومر بها، أو سمعها، أي أنه كان جزءًا منها بصورة أو بأخرى، وهذه الحالة تحسب للفن، لأن مدى تصديقنا أنه شاهد على كل القصص يعني أننا صدقنا هذه القصص.
ومن هنا تظل مجموعة "يجذب المعادن ويحب الكلاب" إضافة مهمة لفن القصة في مصر الذي عاد مرة أخرى لمكانته التي يستحقها.


 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة