على مدار أيام، ومنذ تنفيذ الغارات الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية فى سوريا، لم يتوقف التصعيد بين إيران وإسرائيل فى التصريحات والدعاية، خاصة بعد أن أدت الغارات إلى مقتل رجال من نخبة فيلق القدس التابع للحرس الثورى، بينهم الجنرال محمد رضا زاهدى وآخرون، وسبق ونفذت إسرائيل عمليات ضد أهداف إيرانية، واغتيالات فى جنوب لبنان للعارورى وغيره، ولم يرد حزب الله خارج إطار الاشتباكات التى تحكمها أطر، ولم ترد إيران، بل أعلنت التمسك بعدم الدخول فى حرب توسع الصراع الإقليمى.
ويبدو أن هجمات إسرائيل تمثل ردا على ما أعلنته أطراف وفصائل من أن إيران كانت وراء هجمات طوفان الأقصى، وانتقاما لاغتيال قاسم سليمانى، وبالتالى فقد كانت عمليات إسرائيل فى جزء منها باتجاه نقل الصراع إلى الجهة الأصلية بما فى ذلك من حرب دعائية فى محاولة من نتنياهو لتبرير استمرار الحرب، ومحاولة كسب نقاط بعد وصول الحرب على غزة إلى طريق مسدود وتزايد الضغوط الأمريكية لوقف الحرب والتراجع عن اقتحام رفح.
ومنذ الهجمات الإسرائيلية، على القنصلية الإيرانية بسوريا، لم تتوقف التصريحات والتهديدات المتبادلة، سواء من إيران أو من إسرائيل، بجانب تقارير منسوبة لمصادر أو تقديرات أمريكية وغربية، تشير لوجود تجهيزات واستعدادات إيرانية صواريخ، وطائرات مسيرة جاهزة لتنفيذ ضربات، مع تقارير عن حجم وشكل الضربات الانتقامية الإيرانية ضد إسرائيل، وما إذا كانت ضربات مباشرة داخل إسرائيل أم أنها ضربات تستهدف مصالح خارج إسرائيل؟
الواقع أن الحرب فى أغلبها «دعائية»، والتقديرات والتحليلات متفاوتة أو منسوبة لجهات غير محايدة تنتمى لمعسكر إيران أو إسرائيل، وبعضها تقارير ذات أهداف دعائية متبادلة، خاصة مع استمرار التسريبات لدى كل من إيران وإسرائيل تحمل تهديدات وتؤكد الاستعداد.
وقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، التقى كبار المسؤولين للاستعداد لهجوم محتمل قد تشنه إيران، فيما أكدت إسرائيل أنها مستعدة «دفاعيا وهجوميا».
وتوقع الرئيس الأمريكى جو بايدن أن تهاجم إيران إسرائيل عاجلا، ردا على غارة جوية على قنصلية إيران بسوريا ودعا بايدن إيران لعدم التصعيد مؤكدا التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن إسرائيل، بينما توقع مسؤولون أمريكيون أن تشن طهران هجوما وشيكا وصعبا على إسرائيل، وقدر مسؤول أمريكى أن تستخدم إيران 100 طائرة بدون طيار، وعشرات من صواريخ كروز وصواريخ باليستية، لاستهداف مواقع إسرائيلية.
لكن ظهور هذه التقارير والأرقام أثارت تحليلات متفاوتة، حول مدى دقة هذه التقارير، وما إذا كانت جزءا من دعاية التخويف والرعب ضمن حرب نفسية، خاصة أن بعض المصادر توقعت أن تشن إيران الهجوم مساء الجمعة، وهو ما لم يحدث، بالرغم من أنه أثار المخاوف داخل إسرائيل والولايات المتحدة.
وهناك مساع من عدة دول لإثناء إيران عن شن هجوم على إسرائيل، خشية أن يؤدى ذلك إلى إثارة حرب إقليمية أوسع، وتحدث وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن مع وزراء خارجية الصين ودول إقليمية لمحاولة إقناعهم باستخدام نفوذهم مع إيران، لكن إيران فى موقف حساس بعد تكرار تعرضها لهجمات مباشرة، ولهذا توعّد كبار المسؤولين فى إيران، وأصدروا تهديدات لتلافى مطالب مؤيدين وأنصار بجانب إنقاذ صورة إيران فى المنطقة والعالم، لكون هذه الحرب إذا وقعت مباشرة ستكون أول حرب مباشرة تدخلها إيران منذ انتهاء الحرب الإيرانية العراقية نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وبقى العراق فى حروب حتى الغزو الامريكى الذى دمر العراق، وكانت إيران الرابح الأكبر من غزو وتدمير العراق، وظلت إيران توظف وكلاءها، واعتادت أن تهدد أو تصدر تهديدات ضد المصالح الأمريكية والغربية فى الخليج العربى، مع عمليات يقوم بها تابعون فى العراق أو سوريا ضد المصالح الأمريكية، لكن لم يحدث أن تمت مواجهة أو حرب طويلة ومباشرة بشكل يتجاوز التهديدات الدعائية، أو الاستيلاء على سفن إسرائيلية فى مضيق هرمز، وتنفيذ هجمات تقليدية من جنوب لبنان أو اليمن، مع تصعيد التهديدات من قبل المسؤولين الإيرانيين ضمن حملات تهديد دعائية نجحت فى إثارة الرعب داخل إسرائيل وأيضا الولايات المتحدة، وتهديد التجارة الدولية فى مضيق هرمز، وهو ما يمثل نوعا من الاستعراض والدعاية الإضافية، بجانب استمرار التصريحات والتسريبات التى تنقل الخوف إلى إسرائيل أو إلى تقارير تحمل علامات الخوف داخل إسرائيل باعتبار أنه تم إلغاء الإجازات واستدعاء الاحتياط، وهو ما يمثل نوعا من الضغط على المجتمع الإسرائيلى.
ويبدو أن إيران قد اقتنعت بأن التهديدات أثرت وأدّت لنتائج، هذا هو ما دفع يحيى رحيم صفوى، المستشار العسكرى للمرشد الإيرانى على خامنئى، للقول: «نفذنا عملية نفسية وإعلامية ناجحة ضد إسرائيل وحققنا الهدف، أخافت وأرعبت كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذه الحرب النفسية والسياسية والإعلامية أفظع بالنسبة لإسرائيل من القتال».
ولعل هذا الشعور هو ما يدفع محللين لاستبعاد تنفيذ مواجهة مباشرة من ناحية إيران، وتكثيف الحرب النفسية والدعائية، التى تواجهها إسرائيل بتهديدات ترد على التهديدات.