يحقق مسلسل جودر الذي تقدمه شركة المتحدة للخدمات الإعلامية متابعة كبيرة من المشاهدين، والمسلسل مستوحى من عالم ألف ليلة وليله، وبالفعل بها قصة تسمى جودر الصياد وأخوته، فما الذي تقوله اليالي:
في الليلة 606
بلغني أيضًا أن رجلًا تاجرًا اسمه عمر، قد خلف من الذرية ثلاثة أولاد: أحدهم يُسمَّى سالمًا، والأصغر يُسمَّى جودرًا، والأوسط يُسمَّى سليمًا، وربَّاهم إلى أن صاروا رجالًا، ولكنه كان يحب جودرًا أكثر من أخويه، فلما تبيَّنَ لهما أنه يحب جودرًا، أخذتهما الغيرة وكرهَا جودرًا، فبان لأبيهما أنهما يكرهان أخيهما، وكان والدهم كبير السن، وخاف أنه إذا مات يحصل لجودر مشقة من أخويه.
فأحضر جماعة من أهله وأحضر جماعة قسامين من طرف القاضي وجماعة من أهل العلم، وقال: هاتوا لي مالي وقماشي. فأحضروا له جميع المال والقماش فقال: يا ناس، اقسموا هذا المال والقماش أربعة أقسام بالموضع الشرعي. فقسَّموه، فأعطى كل ولد قسمًا، وأخذ هو قسمًا.
وقال: هذا مالي وقسمته بينهم، ولم يَبْقَ لهم عندي ولا عند بعضهم شيء، فإذا متُّ لا يقع بينهم اختلاف؛ لأني قسمت بينهم الميراث في حال حياتي، وهذا المال الذي أخذته أنا فإنه يكون لزوجتي أم هذه الأولاد، فتستعين به على معيشتها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.
فلما كانت الليلة 607
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر لما قسم ماله وقماشه أربعة أقسام، أعطى كل ولد من الأولاد الثلاثة قسمًا وأخذ هو القسم الرابع، وقال: هذا القسم يكون لزوجتي أم هذه الأولاد تستعين به على معيشتهم.
ثم بعد مدة قليلة مات والدهم، فما أحد رضي بما فعل والدهم عمر، بل طلبوا الزيادة من جودر، وقالوا له: إن مال أبينا عندك. فترافع معهم إلى الحكام، وجاء المسلمون الذين كانوا حاضرين وقت القسيمة، وشهدوا بما علموا ومنعهم الحاكم عن بعضهم؛ فخسر جودر جانبًا من المال، وخسر إخوته كذلك بسبب النزاع، فتركوه مدةً ثم مكروا به ثانيًا، فترافع معهم إلى الحكام فخسروا جملة من المال أيضًا من أجل الحكام، وما زالوا يطلبون أذيته من ظالم إلى ظالم وهم يخسرون ويخسر حتى أطعموا جميع ما لهم للظالمين، وصار الثلاثة فقراء.
ثم جاء أخواه إلى أمهم وضحكا عليها، وأخذَا مالها وضرباها وطرداها، فجاءت إلى ابنها جودر وقالت له: قد فعل أخواك معي كذا وكذا، وأخذا مالي. وصارت تدعو عليهما، فقال لهما جودر: يا أمي لا تدعي عليهما؛ فالله يجازي كلًّا منهما بعمله، ولكن يا أمي أنا بقيت فقيرًا وأخواي فقيران، والمخاصمة تحتاج لخسارة المال، واختصمتُ أنا وإياهما كثيرًا بين يدي الحكام، ولم يفدنا ذلك شيئًا، بل خسرنا جميع ما خلفه لنا والدنا، وهتكنا الناس بسبب الشهادة؛ وهل بسببك أختصم وإياهم، ونترافع إلى الحكام؟ فهذا شيء لا يكون، إنما تقعدين عندي والرغيف الذي آكله أخليه لك، وادعي لي والله يرزقني برزقك، واتركيهما يلقيان من الله جزاءَ فعلهما، وتسلي بقول مَن قال:
إِنْ يَبْغِ ذُو جَهْلٍ عَلَيْكَ فَخَلِّهِ وَارْقُبْ زَمَانًا لِانْتِقَامِ الْبَاغِي
وَتَجَنَّبِ الظُّلْمَ الْوَخِيمَ فَلَوْ بَغَى جَبْلٌ عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي
وصار يطيِّب خاطر أمه حتى رضيت ومكثت عنده، فأخذ له شبكة وصار يذهب إلى البحر والبرك، وإلى كل مكان فيه ماء، وصار يذهب كل يوم إلى جهة، فصار يعمل يومًا بعشرة ويومًا بعشرين ويومًا بثلاثين، ويصرفها على أمه، ويأكل طيبًا، ويشرب طيبًا، ولا صنعة ولا بيع ولا شراء لأخويه، ودخل عليهما الساحق والماحق والبلاء اللاحق، وقد ضيَّعَا الذي أخذاه من أمهما، وصارا من الصعاليك المعاكيس عريانين، فتارةً يأتيان إلى أمهما ويتواضعان لها زيادة، ويشكوان إليها الجوع، وقلب الوالدة رءوف، فتُطعِمهما عيشًا معفنًا، وإن كان هناك طبيخ بائت تقول لهما: كُلَاه سريعًا وروحا قبل أن يأتي أخوكما، فإنه ما يهون عليه ويقسو قلبه عليَّ وتفضحاني معه.
فيأكلان باستعجال ويروحان، فدخلا على أمهما يومًا من الأيام، فحطت لهما طبيخًا وعيشًا، فصار يأكلان وإذا بأخيهما جودر داخل، فاستحت أمه وخجلت منه، وخافت أن يغضب عليها، وأطرقت برأسها في الأرض حياءً من ولدها، فتبسَّمَ في وجوههم وقال: مرحبًا يا أخويَّ، نهار مبارك، ماذا جرى حتى زرتماني في هذا النهار المبارك؟ واعتنقهما ووَادَّهما، وصار يقول: ما كان رجائي أن توحشاني ولا تجيئا عندي، ولا تطلا عليَّ ولا على أمكما! فقالا: والله يا أخانا إننا اشتقنا إليك، ولا منعنا إلا الحياء مما جرى بيننا وبينك، ولكن ندمنا كثيرًا، وهذا فعل الشيطان لعنه الله تعالى، ولا لنا بركة إلا أنت وأمنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.
فلما كانت الليلة 6.8
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جودرًا لما دخل منزله ورأى إخوته رحَّبَ بهما وقال لهما: ما لي بركة إلا أنتما. فقالت له أمه: يا ولدي بيَّضَ الله وجهك وكثَّرَ الله خيرك، وأنت الأكثر يا ولدي.
فقال: مرحبًا بكما، أقيما عندي والله كريم والخير عندي كثير. واصطلح معهما وباتا عنده وتعشيَّا معه. وثاني يوم فطرَا وجودر حمل الشبكة وراح على باب الفتح وراح أخواه، فغابا إلى الظهر وأتيا، فقدَّمت لهما أمهم الغداء، وفي المساء أتى أخوهم وجاء باللحم والخضار وصاروا على هذه الحالة مدة شهر، وجودر يصطاد سمكًا ويبيعه ويصرف ثمنه على أمه وأخويه، وهما يأكلان ويبرجسان.
فاتفق يومًا من الأيام أن جودر أخذ الشبكة إلى البحر فرماها وجذبها فطلعت فارغة، فطرحها ثانيًا فطلعت فارغة، فقال في نفسه: هذا المكان ما فيه سمك. ثم انتقل إلى غيره ورمى فيه الشبكة فطلعت فارغة، ثم انتقل إلى غيره، ولم يزل ينتقل من الصباح إلى المساء ولم يصطد ولا صيرة واحدة، فقال: عجائب! هل السمك فرغ من البحر أو ما السبب؟ ثم حمل الشبكة على ظهره ورجع مغمومًا مقهورًا حاملًا همَّ أخويه وأمه، ولم يدرِ بأي شيء يعشِّيهم؛ فأقبل على طابونة فرأى الخلق على العيش مزدحمين، وبأيديهم الدراهم ولا يلتفت إليهم الخباز؛ فوقف وتحسَّرَ، فقال له الخباز: مرحبًا بك يا جودر، هل تحتاج عيشًا؟ فسكت، فقال له: إن لم يكن معك درهم فخذ كفايتك وعليك مهل. فقال له: أعطني بعشرة أنصاف عيشًا. فقال له: خذ هذه عشرة أنصاف أُخَر، وفي غدٍ هات لي بالعشرين سمكًا. فقال: على الرأس والعين. فأخذ العيش والعشرة أنصاف أخذ بها لحمة وخضارًا وقال: في غد يفرجها المولى.
وراح إلى منزله وطبخت أمه الطعام وتعشَّى ونام، وثاني يوم أخذ الشبكة، فقالت له أمه: اقعد افطر. قال: افطري أنتِ وأخواي. ثم ذهب إلى البحر ورمى الشبكة فيه أولًا وثانيًا وثالثًا وتنقل، وما زال كذلك إلى العصر ولم يقع له شيء، فحمل الشبكة ومشى مقهورًا، وطريقه لا يكون إلا على الخباز، فلما وصل جودر رآه الخباز فعدَّ له العيش والفضة، وقال له: تعالَ خذ ورح إنْ ما كان في اليوم يكون في غد، فأراد أن يعتذر له فقال له: رح ما يحتاج لعذر، لو كنت اصطدت شيئًا كان معك، فلما رأيتك فارغًا علمت أنه ما حصل لك شيء، وإن كان في غد لم يحصل لك شيء، فتعالَ خذ عيشًا ولا تستحِ وعليك مهل.
فقال: عجائب! هل السمكُ فرَغَ من البحر أو ما السبب؟
ثم إنه ثالث يوم تبع البرك إلى العصر فلم يَرَ فيها شيئًا، فراح إلى الخبَّاز وأخذ منه العيش والفضة، وما زال على هذه الحالة مدة سبعة أيام، ثم إنه تضايق فقال في نفسه: رح اليوم إلى بركة قارون.
ثم إنه أراد أن يرمي الشبكة فلم يشعر إلا وقد أقبل عليه مغربي راكب على بغلة وهو لابس حلة عظيمة، وعلى ظهر البغلة خرج مزركش، وكل ما على البغلة مزركش، فنزل من فوق ظهر البغلة وقال: السلام عليك يا جودر يا ابن عمر.
فقال له: وعليك السلام يا سيدي الحاج.
فقال له المغربي: يا جودر، إن لي عندك حاجة، فإن طاوعتني تنال خيرًا كثيرًا، وتكون بسبب ذلك صاحبي، وتقضي لي حوائجي.
فقال له: يا سيدي الحاج، قل لي أي شيء في خاطرك، وأنا أطاوعك وما عندي خلاف.
فقال له: اقرأ الفاتحة. فقرأها معه، وبعد ذلك أخرج له قيطانًا من حرير، وقال له: كتِّفني وشدَّ كتافي شدًّا قويًّا، وارمني في البركة، واصبر عليَّ قليلًا، فإن رأيتني أخرجتُ يدي من الماء مرتفعةً قبل أن أبان فاطرح أنت الشبكة عليَّ واجذبني سريعًا، وإن رأيتني أخرجتُ رجلي فاعلم أني ميت فاتركني، وخذ البغلة والخرج وامضِ إلى سوق التجار، تجد يهوديًّا اسمه شميعة، فأَعْطِه البغلة وهو يعطيك مائة دينار، فخذها واكتم السرَّ ورُحْ إلى حال سبيلك.
فكتفه كتافًا شديدًا فصار يقول له: شدَّ الكتاف. ثم إنه قال له: ادفعني إلى أن ترميني في البركة. فدفعه ورماه فغطس، ووقف ينتظره ساعة من الزمان، وإذا بالمغربي خرجت رجلاه، فعلم أنه مات، فأخذ البغلة وتركه وراح إلى سوق التجار، فرأى اليهودي جالسًا على كرسي في باب الحاصل، فلما رأى البغلة قال اليهودي: إن الرجل هلك. ثم قال: ما هلكه إلا الطمع. وأخذ منه البغلة وأعطاه مائة دينار، وأوصاه بكتم السر، فأخذ جودر الدنانير وراح، فأخذ ما يحتاج إليه من العيش من الخباز، وقال له: خذ هذا الدينار. فأخذه وحسب الذي له، وقال له: عندي بعد ذلك عيش يومين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة