هل يمكن للحصان أن يطير، وهل يمكن للعُصفور أن يسبح في الماء، وهل يمكن أن يظهر للأسماك أقدام وتسير عليها، إذا توقعنا هذا، فبالقطع سنكون في عالم مليء بالفانتازيا والخرافات، أو أحد أفلام الكارتون، أو خيال ألف ليلة وليلة.
أما الواقع فيرفض هذا الفكر على الإطلاق.
فلماذا إذن نُطالب الخائن بالإخلاص، وننتظر الشجاعة والإقدام من الجبان، ونتوقع السلوك المُتزن من المُتقلب؟ في الحقيقة نحن دائمًا ما نُرهق أنفسنا في مُحاولة تغيير البشر من حولنا، آملين أن نجعل منهم وُرودًا تملأ حياتنا بعبيرها، بل والأدهى من ذلك أننا في كثير من الأحيان نظن أن بمقدرتنا أن نُحول الشوك إلى وُرود، وبالمناسبة ليس قلة حيلة ولا ضعف أن نفترض أن هناك مستحيل، فكل شيء يُمكن تغييره وتعديله ومُعالجته، إلا الطبع السيء، فهو عصي على التغيير، فالإنسان يمكن أن يتغير لو كان به بعض العادات السيئة، فبإرادته وإيمانه وتعديله لذاته، يمكنه أن يتغير للأفضل، طالما أن الرغبة بداخله، ولكن لو كانت هذه الرغبة لدى الغير دون صاحبها، فلا جدوى منها.
فلا تُرهقوا أنفسكم في مُحاولة تغيير اللون الأسود إلى الأبيض، فالأحرى بكم أن تبحثوا عن اللون الأبيض، فعندما قال (نابليون بونابرت) عبارته الشهيرة: "لا مُستحيل تحت الشمس"، لم يكن يقصد أنه من الممكن تغيير العالم من حوله، ولكنه كان يقصد أنه ليس من المستحيل أن يصل إلى ما يبتغيه ويستهدفه، فالتغيير ممكن ولكن فيمَنْ يجدي منهم الإصلاح.
ولكن هناك أشخاص مُتأصل فيهم بعض الصفات، لأنهم عاشوا بها، وكبرت معهم، وتحولت إلى جزء من كيانهم، فكيف لإنسان مهما بلغت قدراته أن يُبدلهم وفقًا لطبائعه وأهوائه، وحتى لو حدث التغيير سيكون بعض الشيء، ولبعض الوقت، لأن هذا التغيير يكون بهدف، وبمجرد تحققه سينتهي معه مدة التغيير، وتعود ريمة لعادتها القديمة، لذا نجد العديد من العلاقات العاطفية تُصاب بالفشل، لأن أحد الأطراف يسعى جاهدًا إلى تغيير شريكه حتى يُصبح مُتوافقًا معه، ويظل يتحمل وينتظر ويُحاول، حتى تأتي اللحظة التي يتأكد فيها أن مجهوده ضاع سُدى، فتفشل العلاقات وتنحل روابطها، والأفضل لكل إنسان أن يبحث عن شبيهه، فإذا وجد فيه بعض الصفات غير المُوائمة له، يسعى لتغييرها، بل ويتغير هو أيضًا من أجل شريكه الذي يُشبهه، لأن التغيير هنا يكون منطقيًا وصحيًا ومطلوبًا وجوبًا، فهذا هو مَنْ يستحق أن تستمر معه، لأنه قريب لك في كل شيء، بل ويستحق كذلك أن تتغير للأفضل من أجله، لأنه يتغير من أجلك دون أن تبذل أي مجهود يُذكر في ذلك، لسبب بسيط أن لديه الرغبة في إسعادك وفي الاستمرار معك، ولأنه يُقدر تغييرك من أجله، فهذه النوعية من العلاقات تنجح وتستمر، لأنها مبنية على الصراحة والوضوح، والرغبة في النجاح والاستمرار، فهي علاقات لا يسودها الكبر، ولا تُسيطر عليها فكرة العناد.
فعندما يُسيطر الغرور عليك، وتصر على تغيير أحد الأشخاص ممَّنْ يحملون بين جينات تكوينهم سمات يصعب تغييرها، عليك أن تتذكر أنك مهما فعلت، لن تجعل الحصان يطير، فسهل الأمر على نفسك واصعدْ بالطائرة، فكل يُسِّرَ لما خُلِقَ له.