ترك الموسيقار بليغ حمدى الدراسة بكلية الحقوق واتجه إلى دراسة الموسيقى، وقدم عشرات الألحان من بينها أول ألحانه لأم كلثوم «حب إيه» فى 1 ديسمبر عام 1960، وكان عمره يزيد قليلا عن 28 عاما «مواليد 7 أكتوبر 1932»، ورغم انهمار ألحانه إلا أنه توقف فجأة عن تلحين الأغانى ستة شهور بدأت من نوفمبر 1962، وفى 23 أبريل، مثل هذا اليوم، 1963، كشف عن أسباب توقفه فى حوار لمجلة الكواكب «عدد 612» وحكى قصته من بدايتها.
يكشف «بليغ» أنه التحق بكلية الحقوق ثم شعر بأنه دخلها عن طريق الخطأ وحده، فتركها ليدرس الموسيقى بعد أن بدأ فى دراستها منذ زمن طويل، يذكر: «كان والدى يحب الموسيقى، وكان له صوت جميل، وأحضر لى مدرسا للموسيقى، كان سنى وقتها لا يزيد على ثمانى سنوات، وتعلمت العود وأتقنت العزف عليه، وعندما كبرت التحقت بمعاهد موسيقية خاصة، فلما دخلت كلية الحقوق التحقت فى نفس الوقت بالمعهد العالى للموسيقى المسرحية، وهناك درست هارمونى وسولفيج وأوركسترا وبيانو، وعلوما أخرى».
لم يستكمل بليغ دراسته بمعهد الموسيقى المسرحية، ويوضح السبب قائلا: «كانت هذه المادة مبدأ خلاف بينى وبين الدكتور الحفنى، فسبق أن درستها فى المرحلة الثانوية، ولما كنت مشغولا وقتها بالدراسة بكلية الحقوق، وتلحين بعض الأغانى، رأيت أنه من العبث أن أضيع وقتى فى متابعة دروس النصوص التى سبق لى دراستها، ولم يقتنع الدكتور الحفنى بوجهة نظرى، ولم يوافق على طلب إعفائى من تلك الدروس، وتمسك بنسبة الحضور فتركت المعهد».
وعن بداياته فى التلحين، قال: «بدأت أحاول التلحين من سنة 1952 وأول احتراف كان فى آواخر سنة 1957، لحنت أغنية «ليه لأ» لفايدة كامل، و«تخونوه» لعبدالحليم حافظ، و«ما تحبنيش بالشكل ده» لفايزة أحمد، و«حب إيه اللى انت جى تقول عليه» لأم كلثوم.
وكشف أنه انتهى من تلحين جزء كبير من أوبريت «مهر العروسة»، وأوبريت «جميلة»، وأنه كان متفرغا تماما لهما منذ ستة شهور ولا وقت عنده لتلحين الأغانى، وقال: «أوبريت مهر العروسة من ثلاثة فصول كتبه عبدالرحمن الخميسى، ويحكى قصة تأميم قناة السويس، وفيها انفعالات عاطفية كان لها دور فى حياة كل واحد منا، والخميسى أفرغ أحاسيسه فيها فى شكل رمزيات، تجعل المتفرج يتوحد معها، ويتعرف على نفسه خلال حوادثها، أما أوبريت «جميلة» فكتبه كامل الشناوى، ولا يقصد «جميلة بوحريد» وحدها بل هو يرمز إلى كفاح المرأة العربية فى كل قضاياها.
وعما إذا كان تلحين الأغنية أم الأوبريت هو الأربح له، قال: «تلحين الأغنية أسهل، والربح فيها أسرع وأكبر، وأنا لست غنيا حتى أترك الربح السهل إلى الصعب، لكنى أتحمل هذه الخسارة المادية بنفس راضية، فأنا أرغب فى تقديم عمل خالد، وأعتقد أن تلحين الأوبريت رسالة خطيرة، ومرحلة من أهم المراحل فى تطوير موسيقانا، وأنا حين ألحن الأوبريت أشعر بانطلاقة وحرية تامة فى التلحين، ولكن إذا لحنت أغنية أجدنى سجين قفص أسلاكه هى أوتار المغنى الصوتية، تصنع لى حدودا فى النغم لا أتخطاها، والغناء المقيد كالطير مكسور الجناح ، لا يطير».
يضيف بليغ: «الأوبريت مسرحية غنائية فيها تمثيل، وفيها ديالوجات، ومواقف غنائية، وألحان، هى عالم كامل، هى الحياة، مساحتها واسعة، أشعر وأنا ألحنها بالحرية التامة، أختار اللحن الذى أريده، والذى يعبر عما أشعر به، لا أتحدد بأوتار صوتية».
وعن الذين لحنوا الأوبريت غيره، قال: «سيد درويش، الجميع يعرفون ذلك، لحن «العشرة الطيبة» و«الباروكة» وغيرهما، وزكريا أحمد لحن «يوم القيامة»، وأحمد صدقى لحن «ألف ليلة»، وعن رأيه فيهم، قال: «يكفيهم فخرا أنهم رواد تلحين الأوبريت»، وأبدى بليغ تعجبه من أن ملحنين كثيرين غير محتاجين إلى الربح السريع ولم يقدموا على تلحين الأوبريت.
وعن أحلى أمانيه الفنية، قال: «أحلى أمنية أن تكون لدينا مطبعة موسيقية تطبع النوتة، حتى يمكن أن يتداول الهواة النوت الموسيقية ويعزفونها، والهواة من أهم نواحى التقدم الفنى فى أى بلد ويجب تشجيعهم، فلا يكفى بناء المسارح لتقدم الفنون لدينا، هناك أشياء أخرى، هذه المطبعة مثلا ضرورية بالنسبة لزيادة الوعى الفنى، لأن النوتة الموسيقية ستكون أرخص ويستطيع الهواة شراءها على نطاق أوسع».
وعن الذى يطبع الألحان للأوركسترا، كشف: «واحد اسمه ميشيل، يكتبها باليد، وعشان كده النوتة غالية الثمن، وغلو ثمنها يرسم حاجزا بينها وبين الناس، والموسيقى ضرورية كالماء والهواء تماما»، واختتم بليغ حواره بتوجيه دعوة إلى كل أم بأن تعلم أولادها الموسيقى وهم صغار، قائلا: «الطفل عندما يحب الموسيقى، يحب كل جميل، والحياة بدون جمال ليست حياة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة