نجحت البعثة الأثرية المصرية العاملة بموقع آثار تل حبوة (ثارو) بمنطقة آثار شمال سيناء في الكشف عن بقايا مبنى مشيد من الطوب اللبن يمثل أحد الاستراحات أو القصور الملكية الواقعة بنطاق البوابة الشرقية لمصر ترجع إلى عهد الملك تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة من عصر الدولة الحديثة، وتكمن أهمية الكشف فى إلقاء مزيد من المعلومات عن تاريخ مصر العسكري خلال عصر الدولة الحديثة، فمن المرجح أن تكون الاستراحة استخدمت في فترة تواجد الملك تحتمس بالمكان خلال قيامه بأحد حملاته الحربية لتوسيع الإمبراطورية المصرية.
الكشف الأثري
وفى ضوء ذلك تعقيبًا على هذا الكشف أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية أن تحتمس الثالث أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة، والذى فاقت عبقريته العسكرية كل تصور فى تاريخ العسكرية القديمة والحديثة وقد أجمع المؤرخون العسكريون على أن تحتمس الثالث أول قائد حربى فى التاريخ وضع خطة تقسيم الجيش إلى قلب وجناحين وهو أول من وضع فكرة تكوين مجلس أركان حرب من كبار الضباط للتشاور فى وضع الخطط الحربية.
وقد أشار المؤرخون إلى التماثل والتطابق الحرفى بين الخطط الحربية التى وضعها تحتمس الثالث والخطط الحربية التى طبقها دهاة العسكريين فى الإمبراطورية البريطانية، حيث تؤكد الأدلة الأثرية التى تتكف يومًا وراء يوم ومنها اكتشاف سيناء تؤكد أن تحتمس الثالث قاد 16 حملة عسكرية على مدی 20 عامًا كان من نتيجتها تكوين أول إمبراطورية مصرية واسعة فى تاريخ العالم القديم .
ونوه الدكتور ريحان إلى أن الإمبراطورية المصرية القديمة فى عهد تحتمس الثالث كانت تمتد جنوبًا حتى الشلال الرابع ببلاد النوبة وشمالًا وشرقًا حتى مناطق آشور وشمال سوريا ولبنان وبلاد النهرين (العراق) ومملكة بابل وخيتا وجميع موانئ البحر المتوسط الواقعة فى مناطق سوريا ولبنان وفلسطين حيث أصبحت قواعد حربية لجيوش تحتمس الثالث وأن الخطة الحربية البارعة التى ابتدعها تحتمس الثالث فى عبور ممر (عرونا) بالمناطق السورية هى نفس الخطة التى اتبعها القائد الإنجليزى لورد اللنبى فى عبور هذا الممر الضيق وفاجأ بها جيش الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى 1918.
كما أن الخطة الحربية التى وضعها تحتمس الثالث لنقل سفنه الحربية نقلًا بريًا وهى مجزأة كقطع مفككة وأجزاء قابلة للتركيب السريع والتجهيز الفورى حتى يتمكن من العبور بها فى نهر الفرات والوصول بجيشه لبلاد النهرين لضمها للإمبراطورية المصرية، هى خطة غير مسبوقة فى التاريخ العسكرى، وهى التى أوحت إلى القائد العسكرى مونتجومرى بخطة نقل سفن العبور الحربية برًا من فرنسا إلى ألمانيا حتى وصل بها إلى الأماكن المحددة لعبور قواته نهر الراين أثناء الحرب العالمية الثانية .
الموقع الأثري
وتابع الدكتور ريحان أن خطة تحتمس الثالث فى أخذ أبناء أمراء وحكام وملوك البلاد التى فتحها كرهائن وإرسالهم معززين مكرمين إلى مصر لتنشئتهم وتعليمهم بالمدارس المصرية وتربيتهم طبقًا للتقاليد والعادات والثقافة والأخلاق المصرية ليصبحوا مجهزين سياسيًا لحكم بلادهم حين يؤول إليهم الأمر وفى أعناقهم هذا الدين الحضارى لمصر طبقتها الإمبراطورية البريطانية فى الهند وفى معظم المستعمرات التى كانت خاضعة لهم حيث أجبرت أبناء الأمراء والحكام وعلية القوم على الالتحاق بالكليات الإنجليزية لينهلوا من الثقافة البريطانية وينشئوا على تمجيد بريطانيا العظمى.
وأوضح الدكتور ريحان أن تحتمس الثالث كان مغرمًا بنصب وإقامة المسلات التذكارية الضخمة فى المعابد والمدن المصرية والتى خرجت من مصر وتفتخر بها كبرى عواصم العالم حاليًا ومنها المسلة المصرية على شاطئ نهر التايمز بلندن ويطلق عليها الإنجليز خطأ مسلة كليوباترا وقد انتقل هذا الخطأ لأمريكا فأطلقوا اسم مسلة كليوباترا على إحدى مسلات تحتمس الثالث بنيويورك.
ويروى الدكتور ريحان موقف طريف عن زيارة وفد رسمى للمرشدين السياحيين من البحرين الشقيقة للمتحف المصرى بدعوة من اتحاد المرشدين السياحيين العرب برئاسة محمد غريب للترويج للسياحة البينية بين البلدين وحين وقفوا أمام تمثال تحتمس الثالث قال لهم الدكتور ريحان أن هذا تمثال أعظم قائد عسكرى فى التاريخ ويجب أن نؤدى إليه التحية العسكرية فقام الوفد بتأدية التحية العسكرية للقائد المصرى العظيم