تحتفل مصر والمصريون هذه الأيام بمناسبة عظمى ، وقعها عذب على قلوب كل الشعب المصري الأصيل.. نحتفل بذكرى عيد تحرير سيناء الغالية في 25 أبريل من كل عام، حيث تكلل العبور العظيم للقوات المسلحة المصرية الباسلة في عام 1973 وانتصاره على جيش الاحتلال الإسرائيلي بخروجه تماماً من شبه جزيرة سيناء ورفع العلم المصري يرفرف عالياً ويزين أرض الفيروز، بعد استعادتها كاملة من المُحتل الإسرائيلي.. وكان هذا هو المشهد الأخير في سلسلة طويلة من الصراع المصري - الإسرائيلي، الذي انتهى باستعادة الأراضي المصرية الطاهرة كاملة، بعد انتصار كاسح للسياسة والعسكرية المصرية في 25 أبريل عام 1982.
حرب التحرير الكبرى تلك، أسفرت عن نتائج مباشرة عظيمة على الصعيدين العالمي والمحلي، لعل أبرزها: انقلاب المعايير العسكرية في العالم شرقاً وغرباً، وتغيير الاستراتيجيات العسكرية في العالم والتأثير على مستقبل كثير من الأسلحة والمعدات، وعودة الثقة للمقاتل المصري والعربي بنفسه وقيادته وعدالة قضيته، ناهيك عن الوحدة العربية في أروع صورها والتي تمثلت في تعاون جميع الدول العربية مع مصر، وجعل العرب قوة دولية لها ثقلها ووزنها، وسقوط الأسطورة الإسرائيلية.. كما مهدت حرب أكتوبر المجيدة الطريق لعقد اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل الذي عُقد في سبتمبر عام 1978، على إثر مبادرة الرئيس الراحل محمد أنور السادات التاريخية في نوفمبر 1977 وزيارته للقدس...
الاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين لتحرير سيناء هذا العام، حمل الكثير من الرسائل المصرية، بالتزامن مع استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة لأكثر من مئتي يوم.
الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال كلمته بمناسبة هذه الذكرى الغالية، أطلق العديد من الرسائل للداخل والخارج.. وبدأ كلمته في ذكرى يوم من أيام مصر المجيدة لتحرير سيناء الحبيبة، بأن تلك البقعة الغالية من أرض مصر المقدسة التي طالما كانت موضعاً للاستهداف والعدوان، وطالما نجح شعب مصر العظيم وفي طليعته القوات المسلحة الباسلة، في حمايتها وصونها والحفاظ عليها، جزءاً لا يتجزأ من تراب مصر الطاهر.
لا يترك الرئيس السيسي مناسبة، إلا ويتحدث عن بطولات شعب مصر فداءً للوطن، وتحدث عن قصة كفاح المصريين من أجل سيناء، واصفاً إياها بملحمة بطولة وفداء وجلد وتضحية، وإصرار لا يلين على حفظ حقوق وطننا العظيم، وعدم التفريط في شبر واحد منه، وهو منهج طالما شكل الأسس الراسخة للوطنية المصرية والمحددات الرئيسية للأمن القومي.
الرئيس السيسي أكد أن سيناء التي تحررت بالحرب والدبلوماسية، ستظل شاهدة على قوة مصر وشعبها وقواتها المسلحة ومؤسسات دولتها، وستظل رمزاً خالداً على صلابة الشعب المصري في دحر المعتدين والغزاة على مر العصور.
وحَرص الرئيس على التطرق إلى نجاح الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية، في دحر خطر الإرهاب وتجفيف منابعه في أرض الفيروز، من خلال حرب شرسة ضد قوى الشر التي ظنت واهمة أن بمقدور عملياتها إضعاف عزيمة الدولة، ليتحطم هذا الشر على حصون الخير والشرف لأبناء القوات المسلحة والشرطة المدنية الذين دافعوا بدمائهم الغالية ثمن حماية سيناء من الإرهاب والتطرف.. ووجه التحية والاحترام لمن كانت تضحياتهم سبباً في بقاء وصمود هذا الوطن، وكانت دماؤهم الزكية نهراً ارتوت منه رمال سيناء، حتى تم تحريرها ثم تطهيرها من الإرهاب.
وكما كانت الحرب من أجل تحرير سيناء واجباً وطنياً مقدساً، وكذلك كانت الحرب من أجل تطهيرها من الإرهاب، فإن تنمية سيناء وتعميرها هو واجب وطني مقدس أيضاً، واليوم تشهد سيناء جهوداً غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة في الصحة والتعليم والبنية الأساسية وجميع مقومات العمران والصناعة والزراعة، في إطار مشروع قومي ضخم يستحق أن يقدم المصريون التضحيات اللازمة من أجل تنفيذه، حماية وصوناً لأمن وسلامة الوطن كله.
و تاتي ذكرى تحرير سيناء، مع مرور أكثر من مئتي يوم على حرب غزة المستمرة، في وقت يدرس فيه المُحتل الإسرائيلي الآن خطوات جنونية لاجتياح مدينة رفح المكتظة بمئات الآلاف من أبناء فلسطين.. تلك الخطوات، الهدف الشيطاني منها هو تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، وفي مقدمتها أرض سيناء الطاهرة.. ولطالما كانت عين المُحتل اليهودي، على أرض الفيروز منذ مئات السنين، وتصطدم دوماً بالموقف المصري الحاسم، الرافض لتصفية القضية الفلسطينية، والحامي لكل ذرة تراب مصرية من أية أطماع خارجية.
ولعل كلمة الرئيس السيسي في ذكرى تحرير سيناء، كانت رسالة واضحة وحاسمة لكل من تسول له نفسه النظر إلى مصر وأرضها بعين الطمع، حينما جدد التأكيد على الرفض التام لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء أو إلى أى مكان آخر، حفاظاً على القضية الفلسطينية من التصفية، وحماية لأمن مصر القومي، واستمراراً لنهج الخطوط الحمراء المصرية تجاه الأطماع الإسرائيلية.. مع التأكيد على المواقف المصرية بضرورة دفع الجهود لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ليحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة إرساءً للسلام والأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة لصالح جميع الشعوب.
ويبقى القول، إن النيّة الإسرائيلية باتت واضحة للجميع بتصفية القضية الفلسطينية عبر نقل الصراع إلى دول الجوار منتهكة كافة الأعراف الدولية، في ظل دعم أمريكي يرفض الحديث عن وقف إطلاق النار، وتصريحات إسرائيلية داخلية تحاول زيادة أمد الصراع إما بالإبادة الجماعية لسكان القطاع أو التهجير القسري، وهو ما يمكن أن يصل إلى حد التطهير العرقي، والذي يتطلب مواقف أكثر صرامة وعدم التعامل بالمعايير المزدوجة خاصة في القضايا التي تنتهك حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب، واتخاذ مجلس الأمن قراراً لإيقاف الهجرة القسرية وخلق ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، مع التعامل مع جذور المشكلة وهي عدم إقامة دولة فلسطينية وعدم تنفيذ مبدأ حل الدولتين حتى الآن.. في وقت ثبت فيه بالدليل القاطع والبرهان الساطع، أن الغرب سقط أخلاقياً في مستنقع ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، تجاه ما يحدث من إبادة جماعية بحق الفلسطينيين الأبرياء.
وستظل الدولة المصرية دائماً وأبداً، ظهراً متيناً وسنداً قوياً، لتحقيق حُلم الأشقاء الفلسطينيين بدولة مستقلة، ورفع المعاناة عنهم، والحفاظ على مقدرات وطنهم الأصلي (فلسطين)...