حتى مع افتراض النجاح فى الذهاب إلى هُدنةٍ طويلة المدى؛ لن ينقطعَ النفيرُ أو تتلاشى نُذُر الخطر. تُخيِّم الفوضى على فضاء غزّة بشكلٍ كامل، وبينما يحصرُ البعضُ أسبابَها فى العدوان الماثل، فقد يرُدّها آخرون إلى الاحتلال بوصفه منشأَ الأزمة وصانعَ اختناقاتها، وكلاهما صحيحٌ بالمناسبة؛ إنّما الأصحُّ أن المُعضلةَ نِتاجُ العقليّة الحاكمة للمسارين: التغوُّل المُفرط على الضحايا لثمانية عقودٍ أو يزيد، وضبابية المشروع التحرُّرى بعدما تخطّفته الأُصوليّات والمصالح الشخصية.
والدليل أنها ليست الحربَ الأُولى، ولن تكون الأخيرة على الأرجح. وسوابقُ العقدين الأخيرين على الأقل أنَّ الحروبَ ما تنطفئُ على أرض القطاع؛ إلَّا لتندلع مُجدَّدًا فى صورةٍ أشرس وأكثر جنونًا. هكذا تبدو «الرصاص المصبوب» 2008 و»الجرف الصامد» 2014 نُزهتين سريعتين، إذا قُورنتا بعملية «السيوف الحديدية» التى انطلقت خريف العام الفائت، وما زالت مُتّصلةً إلى اليوم، هذا لو استثنينا المُناوشات العابرة فيما بينها، 2012 و2021 و2022 ومايو 2023، وبعضها كانت محصورةً فى مرافق حركة الجهاد الإسلامى، واتّخذت «حماس» موقعَ المُتفرِّج تاركةً حليفتها لامتصاص العقاب الخاطف، على مذهب إسرائيل الدائم فى «جَزّ العُشب» بين وقتٍ وآخر، بحيث لا تسحقُ الخصومَ تمامًا، ولا تتركُ أظفارهم تستطيلُ لدرجة القدرةِ على الإيذاء.. كان ذلك بالطبع قبل «طوفان الأقصى»؛ أمَّا بعده فقد تغيَّرت الحسبةُ تمامًا.
المشروعُ اليمينى لدى بنيامين نتنياهو ينتصبُ على ساقين: أن يكون مُتطرِّفًا فى بيئته، وأن ينتخبَ مُعادِلاً موضوعيًّا فى البيئة المُضادّة؛ ليكون العدوَّ الوجودىّ فى ظاهر الأمر، والحليفَ البراجماتى فى جوهره. صحيح أنه لم يُبرم صفقةً مع الحركات الإسلامية بتلك البنود؛ لكنّ العبرةَ بما آل إليه السيناريو فى صيغته الأخيرة. صار الليكود يُقدّم نفسَه للجمهور بوصفه التطوُّرَ الأقصى فى الفكر الاستراتيجى لإدارة الدولة، يحفظُ الأمنَ ولا يذهبُ لتنازلاتٍ تخصمُ من الحقوق التوراتية لليهود، وبهذا التكييف صارت «حماس» نموذجًا للأغيار الكارهين، وهُم بقَدر ما يُجاهرون بالعداوة العقائدية؛ يستحقّون القتل والإفناء كما تقول «نبوءة إشعياء» عن جيش النور وجيوش الظلام. وضع الصهاينةُ أيديهم على أرض فلسطين تحت راية الاستعمار، وبموجب تفاهماتٍ مع المُنتصرين فى حربٍ كونيّةٍ هائجة؛ لكنهم أتوا حاملين التلمود وتراث العبرانية الدامى، وبينما طردوا خصومَهم؛ لأنهم سُكّان أصليّون لا لعِرقهم أو ديانتهم، سُحِبَ أصحابُ الحقِّ بخِفّةٍ من مدار الإنسانية إلى العقيدة، ورفعوا كتابًا مُقدّسًا فى وجه كتابٍ مُقدَّس.. إنَّ أعظمَ هدية يُمكن أن تتلقّاها تل أبيب من أعدائها؛ تكفَّل بها الإسلاميّون للأسف، ولا فرق بين القَصد والارتجال؛ إذ المُحصّلة أنك تدعم سرديّة العدوِّ، ولو بحُسن نِيّة.
قبل ثلاثة عقود ذهب المُحتلّ إلى مدريد، ثمّ أبرم اتفاقيّة أوسلو على شرط الدولة المُستقلّة فى غضون خمس سنوات. كانت الانتفاضةُ الأولى «أطفال الحجارة» قد حرّكت الأرضَ، وأعادت مُنظّمة التحرير للنضال من الداخل وإن بوسائل أقلّ غِلظة. وقتها استشعر البعضُ فَخًّا على طريق التفاوض، وأزعجتهم السهولةُ التى أذعنت بها إسرائيل لبنودٍ تتصادم مع ثوابتها الأيديولوجية؛ ولعلَّ القلقَ كان الوقود الذى تدفَّق فى شرايين حركة المقاومة الإسلامية. ربما فى أول الأمر كان ناشئًا عن مخاوف من إنجاز الورقة المُتَّفَق عليها، بما يعنى ضياع شَطرٍ من فلسطين الكُبرى بين النهر والبحر؛ لكنه لاحقًا تحوَّل إلى رَدٍّ على التعنُّت الإسرائيلى فى القليل الذى لم يتحقَّق، وصلابةٍ فى التمسُّك بالكثير المستحيل؛ سعيًا إلى مُعادلة الصورة بمادّتها المُتشدِّدة. ولو أجرينا المنطقَ نفسه على الحماسيِّين؛ فإن ما أثار حفيظتَهم فى الصفقة القديمة، تكرَّر لاحقًا عندما انشقَّوا بالقطاع عن بقيّة البلد الضائع. وكان الواجب أن يتوقَّفوا أمام الانسحاب السهل فى خطّة «فكّ الارتباط» أوّلاً، ثمّ التسهيلات التى حصلوا عليها لاحقًا لتوطيد حكمهم، وانشغال نتنياهو، على كلِّ فظاظته، بأن يُدبِّر لهم التمويلَ ويُمرِّره عبر مطاراته ومعابره، وأن يزدهروا فى محبسهم على شاطئ المتوسط، بينما تختنقُ السلطةُ الوطنية الشرعيّة فى براح الضفّة الغربية، وهى نحو عشرين ضعف غزّة حجمًا، وعمودُ الخيمة الذى لا استقلالَ من دونه. والحال بين اثنتين: إمَّا أَعمَى الطمعُ القسَّاميّين عن المصلحة الوطنية العُليا، أو قادتهم الرعونة للسير وراء العدوّ، وفى كليهما طَعنةٌ نافذة لقلب الرؤية الحاكمة للحركة، وكفاءة المُتنفّذين فى أعلى هرمها السُّلطَوى.
تطيبُ التفسيراتُ السطحيّة لبعض الناظرين فى عملية طوفان الأقصى، وما جلبته فى ذيل الموجة العالية من انفلاتٍ للسلاح واختناق فى السياسة. والخِفَّة هُنا فى الذهاب إلى أنها كانت لتحريك الوضع الجامد، وإعادة إحياء القضيّة فى بيئتها وعلى امتداد العالم. وقد لا يصمُد ذلك لسببين: الأوّل أنَّ الجمودَ مُستحكمٌ منذ عقدين، أو على الأقل بعدما انقلبت حماس بالعام 2007، واصطلى القطاع بخمسِ حروبٍ سابقة، أمَّا الثانى فيخصُّ ديناميكيات الرأى العام، ولدى الفلسطينيين سوابقُ عديدة تقطعُ بأنَّ التوهُّج السريعَ يعقُبه انطفاءٌ أسرع. ومن هنا يتعيَّن البحث عن أسبابٍ أكثر معقولية؛ دفاعًا عن الذكاء السياسى للحركة قبل أىِّ شىءٍ آخر. ربّما تصوّر «السنوار» أن بإمكانه الذهاب والعودة من الغلاف بعشرات الأسرى، وأن يصفعَ الاحتلال دون أن يتركه بأنفٍ نازف يستجلبُ الثأرَ الغاشم؛ لأجل إبرام صفقةِ تبادُلٍ كان هو نفسه أحد المُستفيدين منها مع الجندى جلعاد شاليط قبل ثلاث عشرة سنة. لكنّ احتمالاً آخر لا يُمكن تجاهُله؛ يُشير إلى كونه رأسَ حربةٍ فى هجومٍ مُنسَّق وواسع المدى، تُشاركه فيه بقيّة الأذرُعِ الشيعيّة على قاعدة «وحدة الساحات»، سواء كان ذلك باتّفاقٍ مُسبَقٍ أو لرغبةٍ منه فى اختبار صدقيّة الحُلفاء؛ لكنه صُدِم بأنَّ الدعايات لم تتجاوز حناجرَ أصحابها، وحينما اتّخذوا مَوقفًا قويًّا كان لاثنين من الحرس الثورى، لا لمائةِ ألفِ شهيدٍ وجريحٍ من أبرياء غزّة.
الحربُ مَخرجٌ اضطرارىّ من مأزقِ السياسة. إنها فرعٌ على أصل، وتُقاس نتائجُها بمُحرِّكاتها الخارجية لا من داخلها. وفى قلب المشهد الغَزِّى المُحتدم، يقول الميدان إنَّ الجيوشَ تخسرُ لو فاتها النصر، والميليشيات تربحُ إن أفلتت من الانكسار؛ أمَّا فى النظرة الاستراتيجية فالرِّبحُ والخسارة مَرهونان بحجم المكاسب السياسية. وعلى خلاف المنطق؛ فطَرفَى النزاع فى غزّة يُقيِّمان الوضعَ اتِّصالاً بأثره على تدعيم ثباتهما الأُصولىّ، بأكثر من النظر فى مَواقع السرديات أو توازنات الجغرافيا. ترى المقاومةُ أنها انتصرت بمُجرَّد البقاء على قَيد الحياة، والنصر وُفقَ مفهوم نتنياهو أن يقفَ على أطلال القطاع؛ ولو ظلَّت الأنفاقُ على حالها أو ترسَّخ الغضب والثأر فى نفوس اليتامى. لا أثرَ للسياسة فى خطاب الطرفين؛ بل إنهما يعملان فى كلِّ المُقاربات المطروحة من أجل تمهيد الأرض لصدامٍ جديد. اليمينُ الإسلامى غايته العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر؛ كاستدراكٍ على معركةٍ فاشلةٍ من أجل تقويم مسار جولتها التالية، واليمينُ الصهيونىّ يضبطُ ساعتَه على ما قبل أوسلو أصلاً، حيث لا سُلطةَ وحكومة، ولا حديثَ عن الدولة الفلسطينية. ولصالح الطرفين ينبغى أن يكون الرجوعُ للحظةِ أوسلو نفسِها، لا قبلها ولا بعدها، مع سدِّ الثغرات وتنشيط قنوات الاتصال عبر الوسطاء والضامنين، وإعادة هيكلة مُنظّمة التحرير وتجديد شباب «رام الله» ومرافقها. وشَرطُ ذلك للأسف أن تنزل تل أبيب عن شجرة التوراتيين والقوميين شديدى التطرُّف، وذاك مطلبٌ يبدو عزيزًا وعسيرًا، والأعزُّ أن تُعادَ هندسةُ «حماس» من مَدخلٍ وطنىّ يتجاوزُ اللغةَ العقائديّة التى تُدغدغ العاطفة أكثر ممَّا تستثيرُ العقلَ، وتُلحِقُها على جماعةٍ رجعيّةٍ فى التأصيل والبناء، وعلى محورٍ مذهبىٍّ فى التحرُّك والانحيازات.. باختصارٍ؛ يحتاجُ الصراع لتحريرٍ وتعريفٍ مُغايرين، ولا يتأتَّى ذلك فى ظلِّ احتكار الليكود وحماس لواجهة الصورة على الناحيتين.
أفضت اللوثةُ إلى دَفعةٍ معنويّة وانسحاقٍ مادىٍّ فى ناحية غزّة، والعكس بالعكس فى تل أبيب. والواقع أنّ «حماس» قد خسرت الحرب، ولم تربحها إسرائيل. لكن من الصعب إقناع كلِّ طرفٍ منهما بالحقيقة؛ بينما يصيغُ سرديَّتَه بالأمانى، أو على ما يتوهَّم أنه يُحصِّن جبهتَه الداخلية. أطلالُ المبانى وأكوام الجُثث لن تُرمِّم كبرياء القاتل المُهدرَة، وعباراتُ الرثاء والاستهجان لن تُجفِّف مستنقعات الدم، أو تُداوى جروح الضحايا، وتستخرج القضيّةَ من بئرها التى كانت عميقةً وصارت أعمق. وإذا كان الصدامُ الآن مصلحةً للوَحش المُسلَّح إلى العَظم؛ فإنّه أوَّل ما يتوجَّب أن ينصرف عنه الضحيّة الأعزل. لقد كان انطفاءُ بريقِ اليسار فى الدولة العبرية مُؤشِّرَ خطرٍ يستحقُّ الالتفات، وبمنطق الأقطاب المُتنافرة؛ فإن فلسطين كانت فى احتياجٍ لصوتٍ يسارى، ومُمارسة سياسية ناضجةٍ؛ لقَطع الطريق على أسوأ الحكومات الصهيونية وأكثرها تطرُّفًا؛ بدلا من تغذية جنونها ومنحها مزيدًا من العِلَل والمُبرِّرات.. أمَّا الرهان على ديناميكية الموت؛ فقد تبدَّد فى معارك الدعايات المُلوَّنة. من الطوفان إلى السيوف، ومن قنصلية إيران إلى ليلة المُسيّرات وردِّ الإسرائيليِّين على الردّ. انفعلت الشوارعُ وتباطأت الحكومات، وأقصى ما قدَّمه الغربُ كان تعزياتٍ ومناديلَ لتجفيف الدموع، والولايات المتحدة تُطالب بضَبط إيقاع القتل، ثمَّ ترفع «الفيتو» ضد فلسطين كاملة العضويّة بالأُمَم المُتّحدة، ولا تسحبُ غِطاءَها السياسى والعسكرى عن قاعدتهم المُتقدِّمة فى المنطقة.
المرّةُ الوحيدة التى سارت واشنطن فى اتجاهٍ جاد؛ أعلنت فرض عقوبات على كتيبةٍ واحدة لجيش الاحتلال، اسمها «نتساح يهودا» وتضمُّ الحريديم والمستوطنين المُتطرّفين، وسبب تفعيل «قانون ليهى» أنهم قتلوا فلسطينيًّا يحملُ الجنسيّةَ الأمريكية. الخطوةُ استندت لتشريعٍ صِيغَ فى التسعينيَّات؛ مستهدفًا بعض وحدات الكوماندوز المُنفلتة بالجيش الكولومبى، وسخافتُها أنها تُلخِّص المَحرقةَ فى رصاصةٍ طائشة، وآلاف المدنيِّين فى باسبورٍ أزرق، وتذرُّ الرمادَ فى العيون بحركةٍ استعراضيّةٍ رمزيّة، لا أثرَ لها فى المجال المادى، إذ يُمكن أن تتلافاها إسرائيل بحلِّ الكتيبة أو إعادة توزيع أفرادها، وفى الأخير يمرُّ لها العتاد والذخائر من خلال جيش الاحتلال لا عبر البنتاجون رأسًا. والخُلاصةُ بعيدًا من إدارة بايدن، وارتباك أوروبا، أنَّ استفاقة الضمير الراهنة مَحكومةٌ بزمن الحرب، وسرعان ما ستخبو كما حدث فى سابقاتها، وسيعود الشارعُ إلى شواغله، والحكومات الأنجلوساكسونية إلى مُمارساتها الفجَّة، والمنظومة الأُمميّة لعجزها المُعتاد. ما يعنى أن نتنياهو لن تُزعجه التطوُّرات الدراماتيكية فى الرأى العالمى طويلاً، ويجب على «حماس» ألا تُعوِّل عليها لدرجةٍ بعيدة؛ حتى لا تجد نفسها عاريةً فجأة من مشاعر التعاطف، كما تعرَّت من الإسناد المُمانع على غير ما كانت تُحبّ وترضى.
فكرةُ الحرب تتغلغل فى أعماق الاحتلال ومُقاومته، والمُمارساتُ تنحصر فيها دون أُفقٍ سياسى واضح، ولا رغبة فى استكشافه ورسم ملامحه. وعمليًّا؛ فقد سقط مشروعُ اليمين الذى يُقوده الليكود ونتنياهو فى نسخته الأخيرة، بمحمولاتها القومية والتوراتية المُتضادّة فكريًّا، والمُتصالحة على منطق المُغامرات الفجّة والذهاب إلى الحدود القصوى. كما سقط مشروعُ حماس فى صياغته الحالية، لناحية أنه توصيفٌ عقائدى لصراعٍ سياسى إنسانى بالأساس، وإمَّا أن يُعيدَ الطرفان إنتاجَ نفسيهما على مُرتكزاتٍ أكثر تحرُّرًا من النصوص والافتراضات الذهنية، واستجابةً لحال الميدان وواقع الأرض، أو تظلّ الدائرةُ مُغلقةً عليهما بين كَرٍّ وفَرّ، واشتباكٍ حاضر يُسلِّم الرايةَ لآخر مُؤجَّل. الحلُّ هناك أن يتقدَّم يمينُ الوسط بأجندةٍ أكثر تعقُّلاً، لا سيّما مع خفوت صوت اليسار واستحالة رجوعه فى المدى القريب. والحلُّ هنا أن تضطلع السلطةُ بمهمَّة إنتاج بديلٍ ائتلافى يحفظُ مُكتسباتها السياسية مهما كانت زهيدةً، ويُعالجُ مخاوفَ الشُّركاء بشأن اختلال المعادلة بين الدبلوماسية والسلاح، شريطة أن يتخلَّى الشركاء عن خياراتهم الصفرية التى أثببت فشلها مرارًا وتكرارًا. المُؤكّد أنَّ المقاومةَ ستظلُّ خيارًا مُبرَّرًا ومشروعًا ما بقى الاحتلال قائمًا وغاشمًا، واستخلاصُ الدولة من أنياب الصهاينة من نوعيّة النضالات طويلة المدى وعسيرة المسالك؛ لكنّ المفازةَ دائمًا فى معرفة متى يتوجَّب أن تُشهرَ أوراقَك كاملةً، وعند أيّة نقطة يصيرُ «الاحتماء بالضعف» فضيلةً واجبةً، أو اختيارَ الضرورة والنُّضج.. وإذا كان العدوّ يتهرَّبُ دومًا من القضية بطُرقٍ شتّى؛ فالواجبُ أن تُؤسِّس نفسَها فى كلِّ مرحلةٍ على أعقل الوجوه المُمكنة. فالقضايا التى لا تتطوَّر تموتُ وتندثر، وفلسطين أعقدُ وأبقى من الإفناء؛ إنما لا تستعصى على التعطيل وسرقة الوقت وتبديد الدماء. وإذا كانت الدولةُ غايةً؛ فإنَّ الطريق إليها لا يُمكن أن تَمُرّ من جبّانات أهلها وعلى شواهد قبورهم، والتعريفُ الموجز أنها «إقليم وشعب وحكومة»، ولدى الفلسطينيين اثنتان منها، ولا يصحُّ تضييعهما بحثًا عن الثالثة؛ لأنها لن تجىء دون حُكّامٍ ومحكومين، وإن جاءت فستكون مُقدِّمةً لانقساماتٍ أفدح، ونزاعاتٍ أهليّة أسوأ من كلِّ مُنازعات الاحتلال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة