نواصل معًا سلسلة "مقدمات الكتب" ونتوقف اليوم مع كتاب "النهضة اليابانية الحديثة" لـ رءوف عباس، والذي صدر أول مرة في سنة 2006، فما الذي يقوله في المقدمة:
مقدمة
تعاني المكتبة العربية نقصًا شديدًا في الدراسات المتعلقة بآسيا؛ تاريخها، وحضارتها وشئونها السياسية والاقتصادية، ويرجع ذلك إلى اهتمام المثقفين بما يجري في الغرب بِبُعديه؛ الأوروبي والأمريكي، باعتباره المهيمن على بلادنا، والذي يأتينا منه دائمًا ما يؤثر على واقع بلادنا الراهن ومستقبلها.
ورغم أننا اكتشفنا أهمية التضامن مع آسيا وأفريقيا في مرحلة التحرُّر الوطني ونسَّقنا سياستَنا مع بلادها في إطار حركة عدم الانحياز أيام الحرب الباردة، إلا أن ذلك التنسيق السياسي لم يترتب عليه محاولة لفهم واقع أولئك الشركاء في النضال من أجل الاستقلال، فلم نُقدِم على الدراسة العِلمية لتاريخ تلك البلاد وتجاربها في إعادة بناء مؤسساتها في العصر الحديث، ومِن ثَم كان حصاد التنسيق السياسي معها في إطار حركة عدم الانحياز يفتقِر إلى البُعدَين الاقتصادي والسياسي.
وهكذا تأخر اهتمامنا بتجارب شعوب آسيا حتى النصف الثاني من العقد الأخير من القرن العشرين عندما تأسس مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة، واستطاع خلال سنوات قليلة أن يُثري المكتبة العربية بدراسات وبحوث قيمة في هذا المجال.
ومن بين التجارب النهضوية الآسيوية، تحتل النهضة اليابانية الحديثة مركز الاهتمام عند شعوب آسيا وأفريقيا، وليس عند العرب وحدهم، فقد أثار الصعود المفاجئ لليابان من بلد مُهمَّش لا شأن له إلى قوةٍ إمبريالية انضمت إلى نادي الدول الكبرى قبل أن يَطوي القرن التاسع عشر صفحته، أثار اهتمام العالم بقدر ما أصاب الشعوب المستضعفة البعيدة عن أخطار التوسع الياباني بقدرٍ كبير من الإعجاب، الذي حوَّل التجربة اليابانية إلى نوع من «المعجزة» التي نسجت حولها هالةً أقرب إلى الأسطورة منها إلى الحقيقة.
النهضة اليابانية
وقد كان المؤلف واحدًا ممن بَهرَتهم التجربة اليابانية عندما أُتيحت له فرصة الإقامة باليابان كباحثٍ زائرٍ (١٩٧٢-١٩٧٣م)، فعكف على سبر غور التجربة عن طريق الدراسة العلمية المتأنية، حتى استطاع أن يُقدِّم للمكتبة العربية أول دراسة للنهضة اليابانية الحديثة (عام 1980) نُشِرت بعنوان "المجتمع الياباني في عصر مايجي" أُعِيد طبعها ثلاث مرات خلال عقدَين من الزمان، اعتمد المؤلف في كتابتها على المصادر اليابانية المُترجَمة للإنجليزية، كما استعان في الرجوع إلى ما لم يُترجَم من المصادر الهامة بمن ساعدوه على استخلاص المادة منها مِن اليابانيين، كما اطَّلع على أهم مؤلفات مدرسة الاستشراق عن اليابان، وخاصة ما اتصل منها بعصر النهضة.
والكتاب الذي نقدمه يعتمد بالدرجة الأولى على تلك الدراسة التي عدَّها بعض النقاد «رائدة» في هذا المجال، كما يعتمد على ثمار الأبحاث الأخرى التي قام بها المؤلف، ونشر بعضها بالإنجليزية في طوكيو وبعضها يعتمد على الكتابات الأساسية التي نُشِرت بالإنجليزية لمؤلفِين آخرِين.
ويهدف الكتاب إلى إلقاء الضوء على تجربة النهضة اليابانية، ووضعها في مكانها الصحيح بقدرٍ كبير من الموضوعية التي تضرب بجذورها في أعماق تاريخ اليابان وثقافتها، حتى يَتَعرَّف القارئ العربي على حقيقة التجربة دون مبالغة تصل إلى حد الإبهار، ودون استهانة تصل إلى حد الإجحاف، لعلنا نستطيع أن نخرج من التعرُّف على أبعاد تلك التجربة بما يفيد أمتنا في تطلعها إلى اللحاق بركب التقدم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة