مضت 10 سنوات وأنا أسدد ديون خيمة رمضانية، ديون تركها لي أبي اللهم اغفر له، دون أن يكون لي فيها ذنب. ديون جسيمة قد يتوارثها الأحفاد، كل ذلك من أجل سحور تناوله أبي بأنانية، ثم رحل تاركًا وراءه عبئًا ثقيلاً.
ربما عزيز القارئ أنت الآن مُرتبك، ولكنك سُتدرك الأمر حينما تستوعب أنني أكتب لك من المستقبل، فتخيل معي تلك الليلة التي عاد فيها أبي إلى البيت، مبتهجًا بليلة قضاها في خيمة رمضانية، وأمي التي أطلقت صرخة استغاثة جعلت الجيران يهرعون إلينا، ظنًا منهم أن مصيبة قد حلت بنا. وعندما علموا بما حدث، انتابهم الذهول والخوف على مستقبل عائلة باتت على شفا الإفلاس.
بعنا كل ما نملك، من روبوتات وسيارات طائرة، حتى رحلتنا السنوية للمريخ أُلغيت في الصيف. صرنا كالمشردين، نعتاش على التطبيقات المجانية؛ فأي شيطان أغواك يا أبي؟.. هل ظننت نفسك في مصر عام 2024، حيث كان السحور في خيمة رمضانية أمرًا مألوفًا؟
......
في يوم توجهت للروبوت البنكي “محسب”، أفرغت إليه شكواي، وحينها لمحت في عينيه شيئًا يتجاوز التعاطف الآلي المعتاد. تلفت حوله بحذر شديد، ثم مد يده الفولاذية مقدمًا لي ورقة. عليها عنوان مكتوب بخط رقمي متقن، يشير إلى موقع في حي العتبة القديم، حيث كان الزحام يعج بالحياة ذات يوم، والآن لا يسكنه سوى الصدى. وهناك، وجدت نفسي أمام مطعم مهجور، تسللت إليه كالظلال. الأبواب الخشبية المتآكلة صريرها يعلو في الصمت المحيط. ولكن هناك، في زاوية مظلمة، لمحت ضوءًا خافتًا ينبعث من تحت باب موارب.
دفعت الباب بحذر، فوجدت نفسي في غرفة صغيرة مُضاءة بمصباح قديم يتدلى من السقف. وفي وسط الغرفة، كانت هناك عربة خشبية ملونة مكتوبٌ عليها بخط عربي أنيق: “كُلْ فول وصلِّ على الرسول”. وقفتُ أمامها مترددًا، حتى سمعتُ صوتًا آليًا يخاطبني: “اتسحر معنا”.
...
منذ 3 أشهر، ونحن الفارون من ديون الخيم الرمضانية، نلتقي في حي العتبة المهجور مع الروبوت “محسب”. نعمل معًا على إعادة ترميم عربات الفول القديمة التي خلفها الأجداد، نزينها بألوان الحياة من جديد. وفي هذا المكان، نقاوم احتكار الخيم الرمضانية. يومًا ما، ستنتشر عربات الفول في كل أرجاء مصر، ويصبح السحور خدمة متاحة للجميع بلا ديون كما كان في الماضي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة