يعتبر بناء الإنسان شرطا أساسيا لتحقيق خطة الدولة والقيادة السياسية للتنمية المستدامة 2030.
حيث يأتي هدف بناء الإنسان عنوانا رئيسيا للمرحلة رسالة واضحة من الدولة المصرية للتأكيد على أن الدولة تستهدف بناء الإنسان صحيا وتعليميا ودينيا وثقافيا وعلى جميع المستويات لما يمثله بناء الإنسان من أهمية حتمية فى بناء الجمهورية الجديدة.
إن مفهوم بناء الإنسان يبدأ منذ نعومة الأظافر ويختلف من مجتمع لآخر مع اختلاف الثقافات والأفكار والمعتقدات، ولكى يتم بنجاح فهناك الدور المنوط بالمؤسسات التعليمية والجامعات ووزارات التعليم والشباب والثقافة والإعلام وجميع الهيئات ذات الصلة بالتنشئة للمساهمة فى بناء الإنسان المصرى.
ويأتى دور الإعلام المصرى فى مقدمة أدوات وآليات بناء الإنسان المصرى وإذا ما تحدثنا عن دور الإعلام فى بناء الإنسان، فما الدور الذى يجب أن يقوم به الإعلام في بناء الإنسان المصري ؟ وما أدوات ذلك؟
فمن الثابت أن وسائل الإعلام الآن باتت تلعب الدور المحورى فى بناء وتشكيل شخصية الإنسان المصرى وبصفة خاصة مع وسائل الإعلام الجديد والتأثير الطاغى لمواقع التواصل الاجتماعى سلبا أو إيجابا. ولكن هل أدت وسائل الإعلام الدور المطلوب منها فى بناء شخصية الإنسان؟
والجواب إنه حتى الآن لم يؤد كثير من وسائل الإعلام بمختلف أنواعها الدور المطلوب منها فى بناء شخصية الإنسان، فالبعض منها ركز قصدا أو بدون قصد على جوانب تهدم شخصية الإنسان وإهمال الجوانب الإيجابية التي هي أكثر أهمية وتأثيرا للنهوض بحياة المجتمع، ومثال ذلك انتشار المضامين السطحية الهابطة أو بث التعصب والكراهية فى ظل غياب ثقافة الحوار المتزن الموضوعى، وهذه المضامين لها أثر سلبى على شخصية الأفراد.
وهنا يكمن سؤال مهم، وهو كيف نبنى شخصية الإنسان من خلال وسائل الإعلام؟ الجواب يمكننا أن نبنى شخصية الإنسان من خلال استراتيجية إعلامية متكاملة تتضمن أهدافا واضحة للعمل الإعلامى تساعد على بناء الإنسان من جميع جوانب الحياة المختلفة على مستويين:
أولا: المستوى البنيوى وتطوير المضمون والمحتوى: وذلك من خلال تطوير مضمون وسائل الاعلام بحيث يعتمد المحتوى المقدم لبناء الإنسان على دعائم القيم الإيجابية والأخلاقية فى المجتمع والارتقاء بالجانب الروحانى والسلوكى وتقديم النماذج الإيجابية كقدوة للشباب. كما يستهدف هذا المستوى من الاستراتيجية تحقيق عدد من الأهداف الفكرية التى يجب التركيز عليها فى المحتوى المقدم للرسالة الإعلامية التى تسعى لبناء الإنسان المصرى.
ومن أهم هذه الأهداف: تعميق الإيمان بالحرية واحترام الآخر وثقافة الحوار كأسس أصيلة للقيم الإنسانية واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز التعامل بقيم الإخاء والمحبة والمساواة والعدل والتسامح والتضامن والأمن والسلام والاستقرار، مع تدعيم النقد البناء وعرض الحقائق والمعلومات الصحيحة ووجهات النظر المختلفة والعمل على تشجيع المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى للقيام بمهامها فى خدمة القضايا العامة التى تخص بناء المجتمع ثقافيا وفكريا ووجدانيا، والعمل على بث المضامين الإعلامية الهادفة إلى توجيه سلوك المواطنين، وحثهم على تحمل مسئولياتهم فى جميع مجالات التنمية والبناء بأكثر من وسيلة إعلامية وأكثر من أسلوب حسب الجمهور المستهدف من الرسالة.
ثانيا: المستوى الإجرائى والتطوير التقنى والبصري: وهو مستوى إجرائي حيث تحتاج وسائل الإعلام إلى تطوير الشكل والأساليب الإخراجية والبصرية التى تقدم بها المضامين المختلفة لبناء الإنسان، ففى ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات لم يعد من المفيد تقديم رسالة إعلامية بصورة تقليدية.
وفى هذا المستوى تظهر أهمية تدريب وتأهيل الكوادر الإعلامية العاملة فى مجال الإعلام وبناء الإنسان فى جميع وظائف العمل الإعلامى، بداية من كاتب النص والمعد والمحرر مرورا إلى المذيع والمحاور ثم صانع الصورة والإخراج الفني، بحيث تكون هناك رؤية مشتركة واحدة، حيث يلاحظ أن هناك فجوة كبيرة تتزايد فى الفترة الأخيرة بين المحتوى والمضمون المقدم أمام الصورة البصرية والتقنية المصاحبة على حساب سيطرة أكبر للصورة وإخلال بالمحتوى ومعايير أخلاقيات المهنة، حيث يجب أن يتركز على المعانى والقيم النبيلة المستهدفة فى رسالة الاعلام لبناء الإنسان.
إن الإعلام لاعب رئيسى فى معركة البناء والتنمية، ولكن الأمر ليس سهلا، فهو تحد كبير ويستلزم رؤية شاملة وفقا لاستراتيجية إعلامية متكاملة كل عنصر من عناصرها مرتبط بالعنصر الآخر، سواء من حيث المحتوى والمضمون والإعداد والإخراج وجميع عناصر العملية الإعلامية حتى يمكن إعادة جذب انتباه ملايين المواطنين لفكرة إعلام الترند الإيجابى الذى يقدم معنى وقيمة إيجابية وليس مادة سطحية تافهة تهدم ولا تبنى الإنسان.
وبدون رؤية شاملة تتوافر لها أدواتها التقنية وإمكانياتها المادية والبشرية سيظل الحديث عن دور الإعلام فى بناء الإنسان وجهود تسليط الضوء على إنجازات الجمهورية الجديدة حديثا لطيفا دون تفعيل حقيقي.
إن كلمة السر هى فى نشر الوعى بكيفية بناء الإنسان المصرى فى وسائل الإعلام من خلال توضيح العلاقة الارتباطية بين بناء الإنسان وبناء الوطن فى جميع المنصات الإعلامية، وفق منظومة واضحة ومتكاملة تبرز الإنجازات المتحققة لبناء الإنسان، وتلقى الضوء على أهم التحديات فى منظومة بناء الإنسان وتحدث حالة من الاصطفاف الوطنى لمعركة البناء والتنمية لصالح الوطن، وهنا يصبح الإعلام الوسيلة الأقرب لبناء الإنسان المصرى كما ينبغى أن يكون من أجل رفعة مصر الغالية.