منذ أيام قليلة نشرت السيدة رغد صدام حسين ما أطلقت عليه جزءا صغيرا من المذكرات الشخصية لوالدها الرئيس الراحل صدام حسين، وقد علقت على هذا النشر على حسابها الخاص على منصة إكس X بقولها: كل عام والأمة العربية بخير، الأمة التي طالما كانت الأهم في مسيرتك النضالية، إلا أن الأمة ليست بخير، والعراق ليس بخير يا أبي، فقد تكالبت عليها الأمم، إلا أنني وعدتك أن يكون العراق بخير بإذن الله، واليوم قررت أن أنشر جزءا صغيرا من مذكراتك بطريقتي، لأن دور النشر لديها محاذير من نشرها، وسيكون اليوم مهم للكثير من محبيك وحتى غيرهم.
ثم تكمل رغد قائلة: إليهم نهدى مذكراتك الخاصة التي كتبتها أثناء وجودك بالمعتقل الأمريكي في العراق، لك يا أبي كل الإجلال والتقدير أيها البطل المقدام، إلى جنات الخلد أيها العلم العالي.
انتهت كلمات السيدة رغد، التي أرفقت بها عدة صفحات تصل إلى حوالي أربعين صفحة بخد اليد، تبدأ من تاريخ الخامس عشر من شهر مايو عام 2004، وتنتهي يوم الثاني والعشرين من نفس الشهر والعام، أي أنها حصيلة أسبوع واحد فقط، وبعضها يحوي أبيات شعرية، والبعض خطوط قد تم شطب بعض العبارات بها، ثم تدوين ليوميات معظمها خاص بزيارات الأطباء الذين يتابعون حالة صدام حسين الصحية، ومن الواضح أنه كان يعاني من فتقين ومشاكل في البروستاتا، وأنه فقد أكثر من عشرة كيلو جرامات من وزنه خلال شهر واحد، وأنه كان بحاجة إلى فحص إشعاعي وإلكتروني، ثم بعض الخواطر الإنسانية، منها على سبيل المثال: هل جرب أحدكم أن ينظر إلى عينيه بصورة مباشرة في لحظة يرى حبيبته بعد فراق طويل، وهل جرب أن يسمع دقات قلبه وخلجات نفسه والسمع والهوى، وهل يستطيع أن يصف كيف يعاني في الفراق جوى.
من المهم بالطبع أن نطلع على كل ما يمكن من كتابات شخصيات تاريخية، سواء كنا على اتفاق أو اختلاف معها، سواء كنا نراهم أبطال أو مخطئين، فكل شهادة للتاريخ هي إضافة، على أن توضع في مكانها المناسب.
أنا أقدر جدا مشاعر السيدة رغد صدام حسين كابنة، فهو في النهاية والدها الذي تكن له كل المشاعر الطيبة التي ترى هي أنه يستحقها، وهذا حقها خاصة أنها عاشت طفولتها وشبابها في كنف أب كان من أقوى الشخصيات في عصره، وكانت بلدة واحدة من أغنى وأقوى الدول العربية، وتمتلك ثروات ربما تتجاوز ما تمتلكه دول الخليج الثرية، هكذا كانت العراق دولة كبرى آمنة مستقرة تمتلك ثروات هائلة، وحضارة وتاريخ وثقافة، فما الذي جرى؟
هو نفسه الرئيس صدام حسين من بدد ثرواتها في ثلاث حروب أكلت الأخضر واليابس، فكانت حرب الخليج الأولى التي دخل فيها حرب مع إيران استمرت لثماني سنوات من 1980 -1988، راح ضحيتها حوالي مليون قتيل، وبلغت خسائرها 400 مليار دولار أمريكي، ثم كان الغزو العراقي للكويت في أغسطس من عام 1990، واحتلاله لبلد عربي، وإطلاق الصواريخ على الرياض والمنطقة الشرقية في السعودية، وقام بحرق آبار البترول الكويتية، وكادت تختفي الكويت من خريطة العالم، وعلى إثر هذا الجنون قامت قوات تحالف مكونة من 34 دولة بتحرير الكويت، ولم تكتف الولايات المتحدة بتحرير الكويت، واستمرار صدام لما أصبح يمثله من خطر، فكان عليها القضاء على حكمه واحتلال العراق بحجة امتلاكه لأسلحة نووية، وتم اجتياح العراق في مارس 2003، فيما سمي بحرب الخليج الثالثة، وهكذا كانت تلك هي النتيجة المؤسفة لغباء وغرور وغطرسة صدام حسين، الذي نقل العراق من دولة قوية ثرية إلى دولة محتلة مدمرة مشتتة.
فإذا ما جاءت اليوم ابنته السيدة رغد لتسبغ عليه صفات البطولة والشهادة والشجاعة والعزة، فإن الحقيقة المؤسفة أنه لا يستحق أي من هذه الصفات، فهو وحده من تسبب في كل ما مرت به العراق، بل وكل الأمة العربية التي أفسد فيها، وضلل وقسمها بين مؤيد لأفعاله وبين رافض، وهو الذي بدد ثرواتها في حروب لا طائل منها، وهو من أتى بالمحتل، وها نحن حتى يومنا هذا نعاني مما فعله صدام حسين ببلده وبأمته العربية، فحين تشكو له ابنته من حال الأمة العربية، فعليها أن تعلم أن ما نحن فيه الآن يتحمل والدها المسئولية الأكبر منه، فالتاريخ لا ينسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة