صدر العدد الجديد من الأهرام صباح 4 أبريل، مثل هذا اليوم، 1969، وفى الصفحة الحادية عشر قصة قصيرة «الخدعة» للدكتور يوسف إدريس، وفى أعلاها مربع بداخله خبر يعلن: «انضم الدكتور يوسف إدريس إلى كتاب الأهرام، وبهذا فإن جيل الطلائع يجد طريقه إلى صفحات الأهرام الأدبية جنبا إلى جنب مع القمم الشامخة فى الخلق الفنى المصرى من أمثال توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وحسين فوزى ولويس عوض وبنت الشاطئ وغيرهم، وفى الأسبوع الماضى قدم الأهرام على صفحاته أيضا الأديبة السورية «كوليت خورى» التى تنشر الآن إنتاجها كله فى الأهرام».
كانت الأهرام وقتئذ فى عز مجدها الصحفى تحت رئاسة الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، وكان يوسف إدريس فى جريدة الجمهورية يعانى من مقص الرقيب فقرر أن يغير وجهته إلى الأهرام، حسبما يذكر فى حواره مع الكاتب الصحفى رشاد كامل فى كتابه « الصحافة والثورة، ذكريات لا مذكرات».
يكشف «إدريس» فى حواره، أنه بعد معاناته من الرقيب فى «الجمهورية» طرح على نفسه سؤالا فى غاية الأهمية: « من هو رئيس التحرير الذى يستطيع أن يحمينى من الرقابة وعنتها وتعسفها، ولم أتردد فى الإجابة عندما قلت لنفسى: هيكل، وكان ذلك فى صيف 1969، وصباح أحد الأيام ذهبت إليه فى مكتبه، كانت الساعة الثامنة صباحا على ما أذكر، قالت لى السيدة نوال المحلاوى سكرتيرة مكتبه، إنه لم يصل بعد، فتركت لها رقم تليفونى وقلت لها: عندما يأتى الأستاذ بلغيه أن فلانا أتى لزيارته وإذا رغب يتصل بى، وبعد ساعة تقريبا دق جرس تليفون بيتى، كان المتحدث هو الأستاذ هيكل، قلت له: بدون مقدمات يا أستاذ هيكل أنا عاوز اشتغل فى الأهرام، فقال لى بسرعة وحسم: خلاص اعتبر نفسك بتشتغل فى الأهرام».
يذكر «إدريس»، أنه قال لهيكل «مسألتنيش عن الأسباب» فرد: «مفيش أسباب، وشوف أنت بتاخد كم فى الجمهورية، وسيعطيك الأهرام أكثر شويه»، وسأله إدريس عن شروطه للعمل، فرد: «معنديش أى شروط»، وأضاف جملته الشهيرة جدا: «ما دمت تجد فى نفسك الشجاعة لتكتب، فأنا عندى الشجاعة لأنشر».
كانت قصة « الخدعة» أول نشر لإدريس فى الأهرام بعد اتفاقه مع هيكل، ويكشف: «تسببت فى فصلى من الأهرام عندما فسرها رجال الاتحاد الاشتراكى لعبدالناصر بأنه المقصود منها، وأنقذنى هيكل بتفسيره لها تفسيرا مغايرا»، يوضح إدريس أن القصة كانت ببساطة عن «رأس جمل» يظهر للناس فى كل مكان، فى منازلهم، فى الحمام، فى غرف نومهم، فى الأتوبيس، ونشرها الأستاذ هيكل وسافرت الإسكندرية عشرة أيام، وعند عودتى ذهبت إلى الأهرام لأفاجأ برفدى.
يكشف إدريس ما جرى بينه وبين هيكل حول ذلك: «قال لى هيكل بمنطقه المرتب الذكى، الجماعة اللى فى اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى ذهبوا للرئيس جمال عبدالناصر وافهموه أن قصة الخدعة بتاعتك كتبتها عنه شخصيا، وأنه المقصود برأس الجمل الذى يظهر للناس فى كل مكان»، يضيف إدريس: «وجدتنى أقوله يا نهار أسود، طب وأنت قلت إيه؟ فقال لى هيكل: أنا قلت أن رأس الجمل معناه النكسة التى تظهر للناس فى كل مكان، وغير قادرين على نسيانها..هه إيه رأيك، على العموم بعد شهر هترجع الأهرام تانى ومرتبك ماشى، واعتبر مفيش حاجة حصلت، والحقيقة أنا انبسطت من تفسير هيكل لأنه منقذ لى».
يؤكد إدريس أن هيكل كان يدين بالفعل لعبارته «إذا كان عندك الشجاعة أن تكتب فعندى الشجاعة أن أنشر»، يضيف: «توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأنا وآخرون نشرنا فى الأهرام مقالات وقصصا فى عصر عبدالناصر وكلها نقد عنيف لنظامه، يعنى مثلا توفيق الحكيم نشر «بنك القلق» ونجيب محفوظ نشر روايات مثل ميرامار وثرثرة فوق النيل، بالنسبة لى شخصيا كتبت ونشرة قصصا كلها نقد مباشر عن عبدالناصر مثل «الخدعة» و«العملية الكبرى» و«الرحلة» ونشرتها فى يونيو 1970، ونشرت بعد ذلك ضمن مجموعة «بيت من لحم».
يشيد إدريس بهيكل كثيرا، قائلا: «لمست فى سنوات تعاملى مع هيكل فى الفترة التى كان فيها رئيسا لتحرير الأهرام أنه أرسى مبادئ للتعامل مريحة جدا للكاتب، فهو أولا كان يحترم جدا ما تكتبه حتى لو اختلفت معه فى الرأى»، يضرب «إدريس» مثلا بأنه كتب مرة مقالا وفوجئ بنوال المحلاوى تتصل به وتقول لى أن الأستاذ هيكل يريد أن يتحدث معك لأمر ما، وعندما تحدثت معه قال لى : «الكلمة دى مش قوى فى المقال، هل تحب أن تغيرها، ولا تحب نشيلها، فقلت له: خلاص يا أستاذ هيكل غير هذه الكلمة، فقال لى بدماثته المعهودة: لا أنا ها أبعت لك المقال وأنت تتصرف فى الكلمة بمعرفتك يا دكتور».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة