واحدة من أهم متطلبات المرحلة التاريخية الحالية هي التركيز على عرض المسرودة المصرية لتاريخنا المعاصر بصورة واضحة وقابلة للتذكر من قبل الأجيال الجديدة، وهو ما كنت قد دعوت إليه في أثناء الاحتفال باليوبيل الذهبي لحرب أكتوبر المجيدة لكي نحافظ لأبنائنا على جزء مهم من تاريخنا المعاصر وهويتنا، وهو الأمر الذي ظهر واضحا في دراما رمضان هذا العام حيث تصدت الشركة المتحدة لجزء كبير من هذه المهمة.
ومن الأعمال الدرامية من إنتاجها والتي تقوم بهذه المهمة بصورة واضحة مسلسل مليحة، الذي يعرض لقصة فتاة فلسطينية تم تهجير عائلتها من الأرض المحتلة لتعيش فترة طفولتها في ليبيا وتجبرها أحداث الثورة الليبية على ترك ليبيا بعد مقتل أبويها ووفاة جدها بأثر إصابته في هجوم على معبر السلوم وقت عبورهم له، حيث العائلة الفلسطينية التي يتم دفن أفرادها كل في بلد، ولتبدأ حكايتها في مصر بحثا عن طريق العودة حيث يمد يد المساعدة لها الطبيب المصري الذي كان زميلا لها في العمل بليبيا والضابط المصري الذي صد الهجوم على المعبر.
هذه هي القصة ببساطة والتي مازالت في منتصف أحداثها، لكن العنصر الأكثر أهمية في هذا العمل هو الدقائق التي تسبق تيتر البداية في كل حلقة حيث اللقطات الوثائقية المصحوبة بحكاية يحكيها جد لحفيده، حيث صوت الفنان سامي مغاوري يقوم بدور الجد الذي يقوم بالحكي المتوازي مع تلك اللقطات.
وتقوم تلك اللقطات السريعة المركبة بعناية بصناعة سردية خاصة للقضية الفلسطينية، سردية بسيطة وواضحة في الوقت ذاته تمنح المشاهد تصورا واضحا عن تلك القضية منذ بدايتها في المؤتمر الصهيوني ثم وعد بلفور، وتركز في كل حلقة على مرحلة فارقة من مراحل الصراع، الثورة الفلسطينية في الثلاثينيات وإنشاء عصابات الهاجاناة وحرب 48 ثم العدوان الثلاثي وحرب يونيو وحرب أكتوبر والدور المصري في مساندة القضية الفلسطينية، وهكذا لتصنع تلك اللقطات وهذه الحكاية الخلفية التاريخية اللازمة لبقاء المشاهد داخل مجال القضية الأساسية التي يتحرك في داخله شخصيات العمل.
هذه الرؤية الواضحة تبدو في ظني أهم جوانب هذا العمل الذي دخلت الشركة المتحدة عن طريقه مجالا مهما في الإنتاج الدرامي التاريخي الذي يرسخ رؤية واضحة لأهم قضايانا المعاصرة وهي بداية مهمة لهذا الخط تجعلنا نتطلع إلى الكثير من الأعمال المماثلة، كما نتطلع إلى تنمية تجربة الحكاية الوثائقية التي تصلح لعمل مستقل يقوم على التركيز على سرديتنا الخاصة للقضية، وربما يجعلني ذلك أحلم بإنتاج خاص للحكاية التي يقوم بسردها سامي مغاوري والتي تصلح لأن تكون عملا توثيقيا دراميا مشوقا يصلح للمشاهدة من قبل الشباب وأظنهم في انتظاره، أو إنتاج عمل بالطريقة نفسها عن حرب أكتوبر يكون بين الدراما والتوثيق والتحريك، فما أشد احتياجنا الآن لمثل هذه الأعمال ليستطيع أولادنا بها أن يواجهوا حكايات الآخر بحقائقهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة