كثيرًا ما نحكم على الناس من خلال الاستماع، فيكون حُبنا أو بُغضنا مرتبط بالسمع فقط، ورغم أن الإنسان سيرة، إلا أن هذه السيرة قابلة للتأويل ووجهات النظر، والتفاوت الفكري من شخص لآخر، بل وأحيانًا يكون استماعنا إلى الشخص ذاته، ولكننا استمعنا إلى وجهة نظره عن نفسه، ورغبته فى تم نقل فكرة معينة عن شخصه إلى مَنْ حوله، وربما تكون مُغايرة تمامًا لحقيقته، أو على الأقل ليست كما يدعي.
فهناك مَنْ يقول: "أنت سمعت عني.. ولكنك لم تسمع مني"، فهذه العبارة صحيحة بنسبة كبيرة، ولكن في حالة واحدة أن تسمع مَنْ أمامك بعقلك وقلبك سويًا وليس من خلال لسانه فحسب، بل من خلال مواقفه وسلوكياته.
فحاسة السمع من أهم وأخطر الحواس في الإنسان، فهي في كثير من الأحيان تكون مرآة الحياة بالنسبة له، حتى الضرير يرى بأذنيه، فهي حاسة ليست كاذبة، ولكنها تحتاج إلى بصيرة تُحركها، فعلينا أن نستمع إلى وعن ومن، ولكن لا يقف الاستماع عند مرحلة معينة، بل يمتد إلى درجة الإصغاء، وهي مرحلة أعلى من الاستماع، فهو الإنصات مع الإنتباه والتركيز، فهو الدرجة الإيجابية من الاستماع، لأن الأخير مسألة لا إرادية، تحدث رغمًا عنا، أما الإصغاء فهو فعل إرادي يستهدف تحقيق غرض معين، ألا وهو الوصول إلى الحقيقة.
فلا خلاف على أن مَنْ يتحدث لابد وأن يظُهر الإيجابيات حتى يجذب الآخرين، ويضمن تعاطفهم، فلا تُعول كثيرًا على ما يقوله إلا عندما يُوافق فعله قوله، وإلا فدع كلماته جانبًا، ولا تأخذها بمأخذ الجدية.
ولا تنسى أنك مهما سمعت عن إنسان من خير أو شر، فلا مناص من الاستماع إليه، فهذا حقه، حتى يمكن الحكم على شخصه من خلال معرفة ووعي حقيقيين، ودون الدخول في تكهنات سمعية لا أساس عليها ولا دليل.
فاستمع بأذنيك، وأصغِ بعقلك، واحكم بقلبك، حتى تعرف مَنْ أمامك.