عزيزي القارئ من الماضي،
تحية طيبة وبعد،
من المستقبل وصفحات القرن الثالث والعشرين، أبعث إليكم بتحيات رمضانية تخترق حواجز الزمن. في كل مساء من مساءات رمضان، نترقب بشغف لحظة الإفطار، حيث يصدح المدفع الرمضاني، ليس كما عهدتموه، بل بصورة تليق بعصرنا الجديد.
فقد أصبح بإمكان كل أسرة أن تستقبل المدفع الطائر الخاص بها، في زمانكم، قد تبدو الفكرة خيالية، لكن في عالمنا، هذا هو واقع الحياة الرمضانية.
يتهافت الناس لحجز مدافعهم المميزة، التي تحلق عاليًا نحو السماء، تزين شرفات البيوت بظهورها البهي، تطلق قذائفها الافتراضية المصممة بأحدث التقنيات، ثم تختفي لتعود إلى قاعدتها، في انتظار الدورة التالية.
لكن دعونا نكون صادقين، ليس كل ما يلمع ذهبًا، ففي زمنكم، كان المدفع يعني شيئًا، كان صوته يحمل الأصالة والتاريخ، يجمع الناس على مائدة الإفطار دون الحاجة لدفع اشتراك شهري. أما اليوم، فقد أصبح المدفع الفريد خاصتنا مجرد زينة تقنية، تأتي مع تكلفة باهظة وتحتاج إلى تحديثات دورية.
اقترضت ضعف مرتبي لأضمن أن يكون لشقتي مدفعها المميز، وذلك بعد مواجهة مع زوجتي العزيزة التي ألقت عليّ نظرة لا تقبل الجدل، مما جعلني أتساءل: هل يستحق الأمر كل هذه التضحية؟
وها أنا ذا، أبحث في جيوبي الفارغة، أتصفح دفتر الديون، وأجمع الفكة من تحت الوسائد، كل ذلك من أجل مدفع الإفطار الذي يصلني ديليفري. ولكن، ماذا عن الروح؟ ماذا عن الجمال الذي يكمن في البساطة والتقاليد؟
أخيرًا، أجد نفسي أتمنى لو أنني اكتفيت بصوت المؤذن، أو حتى بإشارة من جاري العجوز الذي يفطر على تمرة وكوب ماء. لكن لا، فقد اخترت أن أكون جزءًا من هذا العرض التقني الباهظ، حيث المظاهر تتفوق على الجوهر، ويصبح المدفع الرمضاني مجرد آخر تحديث في سلسلة الابتكارات الرمضانية.
والسلام ختام