يكون الحدثُ واحدًا وتأويلاته شتّى، وكلُّ فريقٍ بما لديهم فرحون. فى الحرب، كما فى السياسة، تكتسبُ الحركةُ على رقعة الشطرنج أبعادًا تكتيكية واستراتيجية تتجاوز طبيعةَ النقلة ومداها؛ لكنّ المهم أن يتحسَّس اللاعبُ مواضع بيادقه، ويتحسَّب من مُناورات غريمه، لا أن يرتاح للمعنى الظاهر من اللعبة ويستسيغ الدلالةَ السهلة.. لقد دكَّت إسرائيل قطاع غزّة على رؤوس ساكنيه، وما زالت الفصائلُ قادرةً على البقاء والتلويح بعلامة النصر؛ ولو فى نطاق الدعاية والصلابة المعنوية لا المادية. والواقع أنّ الخصمين يخسران على الأرض، ويكسبان فى البروباجندا، ويُواصلان تقطيعَ الوقت انتظارًا للثغرة التى يُقال بعدها «كش مات». هكذا يصيرُ انسحاب القوات عنوانًا حماسيًّا على هزيمة العدو، وتمهيدًا إسرائيليًّا لجولةٍ أُخرى من الصراع، وفيما بينهما يتيسَّر للمُتعقِّلين فقط أن يروا الصورةَ على حقيقتها؛ إذ لا نتائج بيضاء لأىٍّ من الطرفين: كسبَ الاحتلالُ معركةً وخسر الحرب، وأوصلت الفصائلُ رسائلَها الساخنةَ لكنها ضيَّعت صندوقَ البريد، وما عاد بالإمكان الرجوع لما قبل الطوفان، ولا البقاء على مُعادلته الحرجة.
سحبت تل أبيب جنودَها من خان يونس وما فوقها، باستثناء الحزام الذى يقسم الشريط الساحلى إلى نصفين عند ممر نتساريم الذى يشغله لواء ناحال. وقال وزير دفاعها يوآف جالانت إن خروج الفرقة 98 بألويتها الثلاثة خطوة على طريق التحضير لعملية رفح، بينما تلقّى القسَّاميون وأنصار محور المُمانعة الإشارةَ على وجهٍ آخر، وبالغ بعضُهم فى اعتبارها دليلاً على هزيمة الغزاة وانتكاس مُخطّطهم الميدانى. وإذا كان مقطوعًا بتعثُّر العملية البرية فعلاً، وأنها عجزت لأكثر من خمسة أشهر عن إنجاز أهدافها المُعلَنة؛ فالمُقابلة الموضوعية تقول إن الفصائل نزفت بما يفوق قدرتَها على تجديد مرافقها، وإنها أُعِيقت فى بنائها الصلب؛ سواء توغّل الصهاينة جنوبًا أو اكتفوا بما أحدثوه فى الشمال. صحيح أنَّ حروب الشوارع تكسبُها الحركاتُ بمجرَّد البقاء، وتخسرها الجيوش بالعجز عن إحراز نصرٍ حاسم؛ إلَّا أنَّ حِسبة الربح والخسارة تحتكم للسياسة لا السلاح، ويفوز فيها من يفرضُ شروطَه على أُفق التهدئة، ويُؤمِّن موقعَه من توازنات المستقبل، وعليه فلا مجال لحكومة نتنياهو أن تتحدَّث عن أفضليّةٍ ميدانية، وقد بدت عاجزةً عن الرَّدع أو شَطب خصمها تمامًا، كما لا مجال للسنوار ورجاله أن يحتفلوا بومضةٍ باهتة، وقد صار القطاع خرابًا، وتبدَّت هشاشة ظهيرهم المُباشر فى المحور الشيعى، وتتضاءل فُرصُ القبول بهم شريكًا للمرحلة التالية. كأنَّ الحرب تتّخذ هيئةً استهلاكية معزولة عن مجالها الحيوى، فلم تعُد حاكمًا لواقع الأرض، ولا مدخلاً لإعادة تركيب المُعادلة، تحت النار أو بعد إسكات البنادق.
لم تتوقَّف جهودُ الوساطة المصرية القطرية من أجل التوصُّل لهُدنةٍ ثانية.. واحتضنت القاهرة قبل يومين جولةً جديدة ضمن ماراثون مُمتد منذ اجتماعات باريس الأولى والثانية. غادرت الوفود ويتّصل الحوار، وبعيدًا من عُمق الخلافات بين إسرائيل والفصائل؛ فإن الوقوع على اتفاقٍ مرحلىّ مُقنع لا يزال فى المتناول، لناحية التهدئة المُؤقّتة وتكثيف المساعدات وتبادل الأسرى؛ لكن ذلك لن يعنى بالضرورة أن يصير التجميد مُستدامًا أو لا تعود الحرب للتجدُّد بعد ستة أسابيع أو أكثر. فالمُعضلة أنّ الإدارة اليمينية المُتطرّفة فى تل أبيب لا تتقبَّل فكرةَ أن تبقى غزّة على حالها تحت حُكم حماس، ولا أن تعود لعُهدة السلطة بشرعيّتها المُلحقة على ما تبقَّى من تفاهمات أوسلو، وفى المقابل لن تُفرِّط الفصائلُ فيما تعتبره حقًّا مُكتسبًا لصرف رصيد الطوفان والتربُّح من إنعاشها للقضية، وغايتها أن تعود لما قبل السابع من أكتوبر؛ ولو ظلّ الانقسامُ مُمسكًا بخِناق فلسطين ومُستقبلها.. وإزاء الانسداد القائم فإنه لا أثرَ لبقاء القوّات أو سَحبها، ولا لإغلاق الأنفاق على ما تبقّى من الكتائب المُقاتلة، أو خروجهم إلى الشوارع مُجدَّدًا بهيئاتٍ عسكرية أو مدنية؛ لأنّ الحلحلةَ المُثمرة تتطلَّب تغييراتٍ بنيويّة فى الناحيتين: بإزاحة التوراتيِّين والقوميين المخابيل فى الدولة العبرية، وباستعادة المُصالحة والكيان الواحد تحت الراية الفلسطينية الضائعة.
كشفت الفترةُ الأخيرة عن تناقضاتٍ فيما بين واشنطن وتل أبيب. وإذا كانت إدارة بايدن على تخبُّطها المُعتاد بين شعارات الإنسانية ومُمارسات الحرب، ولم تُوقِف دعمَها المُكثَّف وشحنات أسلحتها السخيّة لجيش الاحتلال لحظةً واحدة؛ فإنها أبدت جديّة نسبيةً فى التعاطى مع الظرف المشحون، وأوصلت رسائلَ أقلّ ميوعةً لنتنياهو وعصابته، إن بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن لا يُطابق الأجندة الصهيونية، أو بالسماح لمُقترحٍ مُوازٍ من الأعضاء المنتخبين بالمرور؛ وإن تعثّر على طريق التطبيق.. والظاهر إلى اللحظة أن البيت الأبيض لا يتقبّل فكرة اجتياح رفح خارج الاعتبارات الإنسانية، ولا أن تحتفظ إسرائيل بسيطرةٍ أمنية على القطاع أو احتلالٍ دائم لمحاوره، فضلاً على إخفاقها فى لُعبة استدعاء العشائر بديلاً لحماس، على صيغة روابط القرى فى الضفّة الغربية قبل عقود. وعليه؛ فالانسحاب الأخير من أنحاء غزّة يصلُح لأن يكون مُقدّمةً للهُدنة المُرتقبة، أو لتأخير برنامج التحرُّك فى رفح وعلى تخوم محور فيلادلفيا؛ لا سيما مع الصلابة المصرية برفض العمل فى المنطقة، وما ينطوى عليه من انتهاكٍ لمُعاهدة السلام واتفاقية المعابر؛ لكنه بالدرجة نفسها يُمكن أن يكون علامةَ تسخين ومُؤشّرًا على التصعيد فى ناحية أُخرى.
الشهور الستّة الماضية حملت رياحًا عاصفة على الخطّ الفاصل بين لبنان وفلسطين المُحتلّة. وكان حزب الله قد افتتح المناوشات تحت عنوان الإسناد، واكتفى بالمُشاغلة تحت سقف الاشتباك المُتفَق عليه عن تفعيل «وحدة الساحات» والوفاء بالتزامات التحالف مع فصائل غزّة. والمهم فى ذلك؛ أن الجبهة الشمالية اتخذت مسارًا صاعدًا؛ وتمدَّدت ذراعُ الاحتلال عشرات الكيلومترات إلى صيدا وبعلبك وضاحية بيروت الجنوبية. ولوّح «الكابينت» غير مرَّة بجاهزيّته لخيار الحرب الشاملة، ويقضى المنطقُ بأنه لن يُغامر باستبقاء كُرة النار مُشتعلةً على أطرافه المُتاخمة لدول المُمانعة، ما يعنى أنّ الصدام أقرب إلى الوقوع، والخلاف على التوقيت لا الفكرة نفسها. وبالنظر لتطوُّرات الأيام الأخيرة؛ تتعاظمُ احتمالات الانزلاق لمواجهةٍ واسعة، وقد يكون سحبُ القوات بغرض إعادة ترتيب الصفوف وخطوط العمليات؛ استعدادًا لصَدّ هجومٍ مُتوَقَّع، أو المبادرة بضرباتٍ استباقية لتعقيم الميدان وشَلّ قدرات الخصوم.
اختبرت إسرائيلُ على مدى الشهور استجاباتِ المحور الشيعىّ. وصعَّدت عملياتها من قصف التمركزات العسكرية والوحدات المُتنقّلة، إلى تنفيذ جراحاتٍ موضعية لاصطياد عناصر بعينها. والقائمة التى بدأت بقياداتٍ من الصف الثانى فى الحزب، ثم أحد رجال الدائرة الأولى لحماس، حصدت عددًا من أرفع القادة الميدانيين فى الحرس الثورى الإيرانى، وآخرهم رضا زاهدى وحاجى رحيمى وبعض مرافقيهما، فى قصفٍ طال قنصلية طهران بأرقى أحياء دمشق. وبينما أبدى الممانعون تمرُّدًا على نظريتهم عن «الصبر الاستراتيجى» ولوّحوا بالتحضير لرَدٍّ يُناسب الخسارة؛ تتحسَّب تل أبيب من المدى الذى قد تصله عمليةُ الثأر المُحتمَلة، لذا أغلقت عشرات من مقرَّات بعثاتها الدبلوماسية، ورفعت منسوب الحذر والجاهزية، وبالتبعية أعادت النظر لأوراقها العسكرية على التخوم وفى مناطق التّماس، وبقدرِ التقارير والمعلومات الاستخبارية تكون جدية الحركة، وحجمها وإيقاعها؛ وإذا افترضنا أنّ مُؤشِّر الخطر قد أضاء مصابيحه الحمراء للجالسين فى غُرفة العمليات؛ فلعلّ استدعاء أغلب القوات من غزّة لا يكون لترتيب عودتهم إليها سريعًا، بل لدفعهم إلى الجبهة الشمالية، أو إبقائهم على أهبة الاستعداد لتطوُّراتها، وفى ذلك ما يخصم من وجاهة تأويل الانسحاب على معنى النصر أو الإقرار بالفشل؛ بل العكس، بمعنى أنهم ربما يسعون لكَسر الجناح الأقوى شمالاً، ثم يعودون مُجدّدًا للأضعف ببأسٍ أكبر ومُخاطرةٍ أقل.
تتشدَّد دولةُ الاحتلال فى مسألة إفناء حماس، أو على الأقل تفكيك سُلطتها وقُدراتها العسكرية. وإذا كانت تعتبرُ دخولَ «رفح» ركيزةً أساسية لخطَّتها؛ فإن الحليف الأمريكى لا يختلف معها على الأمرين، وكلّ ما يطلبه ترشيدُ الكُلفة الإنسانية؛ للإفلات من ضغوطها على حظوظ الديمقراطيين فى سباق الرئاسة. ونتنياهو يتعشَّم فى أن يجد «ترامب» بالبيت الأبيض؛ لكن بايدن نفسه سيعود لسابق انحيازه لو اقتنص ولايته الأخيرة. هكذا تكون إطالةُ الحرب غايةً إجماعية؛ إذ المؤسف أن الفصائل الغزّية تتّفق فى ذلك، هربًا من التزامات ما بعد التهدئة ورَفضًا للنزول عن هيمنتها على القطاع. وبينما كان التوقُّع أوائل أكتوبر الماضى أن تقتصّ إسرائيل فى أسابيع، أغلق العدوان ستّة أشهر وما يزال طازجًا كأنه بدأ أمس، والطزاجة هنا على معنى الحشد والانفعال وغياب الأُفق، ومن ثمّ فليس فى المداولات السابقة والراهنة ما يشى بالوصول لخطِّ النهاية، ولا أن الميدان بعيدٌ عن نصف سنةٍ أُخرى من العنف المُتّصل أو المُتقطِّع. وبينما يصحُّ الرهان على أن الحروب لا تعود لجنونها بعد الوقفات العابرة، وما يتعذَّر إنجازُه تحت النار يسهُل شَطبُه فى الهُدَن وعلى طاولات التفاوض؛ فليس من الحصافةِ الركون إلى المُسلَّمةِ البديهية فى حالٍ مثل غزة؛ لأنّ العدوَّ مُختلّ ولديه احتياجٌ وجودى للاستثمار فى الدم، ولأنَّ المُقاوِمَ مُنقسمٌ على نفسه، تتنازعه الأهواءُ والمحاور والتنفيعات، ولا يحوز قرارَه كاملاً؛ وقد اقتسمته معه عواصم وميليشيات، تنصر فلسطين على المنابر، وتتربَّح بها فى الغُرَف المُظلمة.
التعاملُ مع إعادة تموضع الوحدات العسكرية بوصفها نصرًا؛ رغم انعدام ضمانات تثبيتها وإمكانية الرجوع عنها فى أى وقت، لا يختلف عن النظر إلى «طوفان الأقصى» كإنجازٍ لِذاته، مع التغاضى عن فواتيره الإنسانية والاقتصادية الباهظة، وأنه أطلق يدَ العدوّ فى التغوُّل على القضية، أو على الأقل لم يُحرِّكها شِبرًا واحدًا إلى الأمام. وهنا تتبدَّى الِمحنةُ الفلسطينية على أوضح صُورها؛ إذ صارت العوائدُ العاطفية والخطابية بديلاً عن المكاسب الملموسة على الأرض، ويستميتُ فريقٌ فى تصوير الانتكاسات الحادّة على أنها فتوحاتٌ كُبرى، دون اعتبارٍ لشواغل الناس وتفضيلاتهم فى المُقاومة والحياة. والسؤال إزاء موجة التهليل لتراجُع الاحتلال؛ ترسيمُا للانتشار أو تحضيرًا لبطشٍ أكبر: ماذا لو عاد القاتلُ إلى هوايته الأثيرة مُجدّدًا؟ وكيف نقرأ مآلات غزّة لو تفجّرت جبهةٌ مُوازية على حدود لبنان؟ وهل تصمد الهُدنة المُقترَحة حال إقرارها أم تصير ورقةَ لعبٍ بين الأُصوليِّين الصهاينة والمُمانعين؟ والأجوبةُ كلّها تُقلِق بأكثر ممّا تُطمئِن؛ لأنّ معيار النصر والهزيمة صار غائمًا، ويُحدِّده كلُّ فريقٍ بمقاييس ظرفيّة شديدة الارتباك والرعونة، لأنها تُقدِّم الإلغاءَ على التعايش، وتعتنقُ غاياتٍ نهائية شِبه مُستحيلة، وما السياسة فيها إلّا وسيلة صراعيّة لا تقلُّ راديكالية وخشونةً عن السلاح.
ربما تسرقُ استراحةً لجنودها، أو تفتحُ الباب لعودة النازحين إلى بيوتهم؛ رغم استمرار شَطرِها للقطاع نصفين. المُؤكَّد أنها لم تُنه الحرب، وأنّ العودة أرجحُ من الرحيل النهائى. قد تتّخذ العملياتُ طابعًا أكثر تخطيطًا وتعقُّلاً، بتجنُّب الاجتياح الشامل مع التمركز فى أحزمةٍ عازلة، وتنفيذ توغُّلاتٍ جراحية تحت ستارٍ نيرانى من الجو والأرض؛ لإصابة أهدافٍ نوعية أو اصطياد كوادر مقصودين. فى الجانب المُقابل؛ لم يُحسِن بعضُ المُتسلّطين على إرادة المقاومة ترتيبَ أوراقهم؛ فانزلق فريقٌ للدعاية والتسخين كما حدث بحقّ الأردن، ربما على أمل تهييج المنطقة، وفَتح الجبهات الشقيقة عنوةً بعدما خُزِلوا من الجبهات الحليفة. وكلا الخصمين يتعامى عن جوهر الحرب؛ باعتبارها وسيلةً لا غاية، وغرضُها فَرضُ الإرادة لا تعويم التوازنات وتضييعها.. هكذا لا يتحقَّق النصر كاملاً من دون كَسر العدو، ولا يتحقَّق أصلاً إذا كان الصراع وجوديًّا، وعلى خيارٍ صفرى بين الفوز المُطلَق أو الخسارة الماحقة.
سابقةُ التجارب مع إسرائيل لا تُبشِّر بخير. لقد عقدت ميثاق أوسلو على نِيّة إفشاله وتفريغ مضامينه بالوقت والمُماطلة، ورعت الانقسامَ حينما كان الدجاجةَ التى تبيضُ ذهبًا، وتُقاوِم المُصالحة اليوم لأنها تردُّها لِمَا قبل الانتفاضة الأولى واغتيال رابين. وإذا كان اللصُ واعيًا بالمسارات التى تُحصِّن جريمتَه؛ فالبؤس كلُّه فى ألّا يكون المسروقُ مُنتبهًا للخُدعة.. ما قُتِل «عرفات» إلا لأنه صار تهديدًا وجوديًّا لفكرة الدولة اليهودية الصافية، وما خرج «هنيّة» من القطاع سالمًا إلّا لأنهم رأوا فى خروجه منفعةً حاضرةً أو مُرجَأة.. وعلى ضوء المستجدّات الأخيرة، والخبرات السابقة؛ فالواجب أن يكون الانسحابُ عاملَ قلقٍ لا طمأنينة، ليس لمازوخيّةٍ مُزمنةٍ أو ارتياحٍ للمحرقة ومراثيها القاتمة؛ إنما لأنّ المُعتاد من مخابيل تل أبيب أنهم لا يُطفئون النار إلّا لإشعالها باحتدامٍ أكبر. وأخفّ الأضرار اليوم أن يُصَار لهُدنةٍ مُعجَّلة، وأن تنزل الفصائل عن بعض مُكابرتها؛ لصالح الالتحاق بغلافٍ وطنىّ له صيغةُ الإجماع، ثمّ يتحصّنون جميعًا بالمحيط العربى الداعم، لا بعمائم مُلوّنة أو شعاراتٍ تخلطُ الإثنىّ بالمذهبى، وتفتح الساحات على بعضها فى المَغرم دون المَغنم. حاضنةُ فلسطين وأمانُها فى الجوار القريب، ودِرعُ الفلسطينيين فى وحدتهم، وآخرُ ما تحتاجه القضيّةُ أن تُخطئ فى قراءة الإشارات، أو تتصنَّع انتصاراتٍ وهمية، وتكون غاية رضاها من الغنيمة بالإياب، على ما قال الشاعر، ومن الوطن بقبوره وأطلاله، ومن المَقتلة المُحتدمة بخُطَب الحماسة وقصائد الفخر؛ بينما تحترق البلاد والعباد، وينتقلُ العدوُّ من تصعيدٍ مجنون لتَبريدٍ أشدّ جنونًا، ويلعقُ الأبرياءُ وعديمو الحِيلة جراحَهم بين نكبةٍ وأخرى.