تحل اليوم ذكرى ميلاد المؤرخ ابن الأثير الجزري، والذي يعد أبرز المؤرخين المسلمين الذين عاصروا دولة صلاح الدين الأيوبي، إذ ولد في مثل هذا اليوم 13 مايو 1160، ورصد أحداثها ويعد كتابه الكامل في التاريخ مرجعًا لتلك الفترة من التاريخ الإسلامي.
في رحلته الطويلة لطلب العلم وملاقاة الشيوخ، والأخذ منهم، درس ابن الأثير الحديث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات؛ لأن هذه العلوم كان يجيدها الأساتذة المبرزون ممن لقيهم ابن الأثير، غير أنه اختار فرعين من العلوم وتعمق في دراستهما هما: الحديث والتاريخ، حتى أصبح إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، حافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، خبيرا بأنساب العرب وأيامهم وأخبارهم، عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة.
وعن طريق هذين العلمين بنى ابن الأثير شهرته في عصره، وإن غلبت صفة المؤرخ عليه حتى كادت تحجب ما سواها. والعلاقة بين التخصصين وثيقة جدا؛ فمنذ أن بدأ التدوين ومعظم المحدثين العظام مؤرخون كبار، نأخذ مثلا الإمام الطبري، فهو يجمع بين التفسير والفقه والتاريخ، والإمام الذهبي كان حافظا متقنا، وفي الوقت نفسه كان مؤرخا عظيما، وكذلك كان الحافظ ابن عساكر بين هاتين الصفتين، والأمثلة كثيرة يصعب حصرها. قال ابن خلكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء، اجتمعت به بحلب فوجدته مكملا في الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق، فترددت إليه وكان الخادم أتابك طغرل قد أكرمه وأقبل عليه بحلب.
وحدث عنه ابن الدبيثي، والقوصي، ومجد الدين ابن العديم وأبوه في (تاريخ حلب) وحدثنا عنه أبو الفضل بن عساكر، وأبو سعيد القضائي.
وبعدما توافرت لابن الأثير المادة التاريخية التي استعان بها في مصنفاته، بفضل صلته الوثيقة بحكام الموصل، وأسفاره العديدة في طلب العلم، وقيامه ببعض المهام السياسية الرسمية من قبل صاحب الموصل، ومصاحبته صلاح الدين في غزواته، (وهو ما يسر له وصف المعارك كما شاهدها)، ومدارسته الكتب وإفادته منها، ودأبه على القراءة والتحصيل، عكف على تلك المادة الهائلة التي تجمعت لديه يصيغها ويهذبها ويرتب أحداثها حتى انتظمت في أربعة مؤلفات، فجعلت منه أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري وهذه المؤلفات هي: الكامل في التاريخ، وهو في التاريخ العام - التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، وهو في تاريخ الدول، ويقصد بالدولة الأتابكية - أسد الغابة في معرفة الصحابة، وهو في تراجم الصحابة - اللباب في تهذيب الأنساب، وهو في الأنساب، وبذلك يكون ابن الأثير قد كتب في أربعة أنواع من الكتابة التاريخية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة