أحسنت الدولة المصرية بإعلانها التدخل رسمياً لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية للنظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في غزة، يأتي ذلك بعد أن فشلت كل جهود الوساطة والحلول الدبلوماسية، ولعل مصر هي أكثر الدول تضرراً مما حدث في غزة ، وهي الأكثر تحملا للمسئولية، وهذا قدرها منذ نكبة ١٩٤٨، والتي تحل ذكراها المؤلمة في هذه الأيام .
لكن مع المحاولات المصرية والعربية والدولية ستظل الحرب مشتعلة في غرة طالما بقي بنيامين نتنياهو على رأس الحكم في إسرائيل، فغروره وجبروته وطموحاته السياسية لن تتجه حتما إلى إنهاء الحرب والسعي إلى السلام، فهو على مدى أكثر من سبعة أشهر فشل في إنهاء الحرب، واستخدم كل الوسائل اللا إنسانية واللا أخلاقية ليخرج منتصرا لكنه فشل ، وسيستمر بلا توقف لا يهمه عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين، ولا حتى يهمه الأسرى الإسرائيليين ولا يهمه لو أبيد كل الإسرائيليين عن آخرهم، المهم أن يبقى هو في الحكم .
حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي أخيرا بدأت تستشعر الحرج من سياسات نتنياهو، أو هكذا أظهرت- لقد أقدمت مؤخراً على تعطيل شحنة ذخيرة مكونة من آلاف القنابل متوجهة إلى إسرائيل ، بل أعلنت أن الرئيس چو بايدن قد أبلغ نتنياهو باتجاه الولايات المتحدة لتخفيض الدعم الأمريكي لإسرائيل إذا لم تسمح بمرور القوافل الإنسانية إلى غزة، وهذا بالطبع ليس لقناعة إدارة بايدن بعدالة القضية الفلسطينية، ولكن تحسبا لاقتراب الانتخابات الأمريكية وحالة الغضب التي تسود المجتمع الأمريكي والمجتمع الدولي من مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل ، وهو ما يعني أن ما نراه اليوم من موقف الولايات المتحدة ما هو إلا زيف وتضليل ، والدليل هو المواجهات والاعتقالات التي تشهدها بلد الحريات ضد الطلاب وأساتذة الجامعات المحتجين على ما يحدث في غزة، والتي تجاوز عدد المعتقلين فيها إلى حوالي ٢٦٠٠ متظاهر في ٣٩ ولاية أمريكية.
أما القضية الحقيقية أن نتنياهو ليس هو المتطرف المجنون الوحيد في إسرائيل، بل وراءه تيار قوي ما يزال يطالبه بالمزيد، حتى أن كاتبا إسرائيليا كتب في صحيفة جيروزاليم بوست يقول فيه أن إسرائيل مارست ضغطا عسكرياً مخففاً على أعدائها، ولم تكن هناك إنجازات مهمة ولم تحدث حركة على الأرض ولم يتم إطلاق سراح الرهائن.
ناهيك عما نراه من جنون أعضاء الكنيست الذين يصرخون مطالبين بالقتل والإبادة ، ويعتبرون أن كل ما أقدم عليه نتنياهو من إجرام غير كاف ، ولعل قوة هذا التيار هي التي عجزت حتى الآن عن إزاحة نتنياهو عن الحكم ، والتي لو حدثت ربما تعطي أملا جديدا للسعي نحو سلام قد يؤدي إلى حل القضية التي تجاوز عمرها الستة وسبعين عاما !
نحن إذن أمام حالة جنون غير مسبوقة في التاريخ، وأمام حاكم وشعب قد فقدوا أبسط قواعد الإنسانية منذ ثمانية عقود ، وأمام مجتمع دولي عاجز عن حل قضية واضحة للعيان، ومع ذلك يغض الطرف عن حلها حل دائم وعادل .
ربما تكون الدعوى المنظورة أمام محكمة العدل الدولية هي خطوة قد تردع نتنياهو بعض الشيء، لكنها لن تكون هي الحل، ولكن الحل يكمن فيمن هم وراء إسرائيل ومن يدعموها في جرائمها ، حين يقتنعون أن مصالحهم لن تتحقق في ظل تلك الجرائم، ولكن في ظل حل سلمي دائم، هذا إن لم تكن الحرب أكثر فائدة لهم .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة