ينطلق الجميعُ من بدايةٍ تقليدية؛ فيقولون: تنعقدُ القمّة العربيّةُ فى ظرفٍ استثنائىٍّ؛ فمُنذ متى لم يكن الاستثناءُ يُحوِّطها؟ حتى النسخةُ التأسيسية التى لا تعدُّها الجامعةُ فى روزنامة القِمَم، أنشاص 1946، التأمتْ على بحث المسألة الفلسطينية فى ظلِّ تنامى الهجرات اليهودية، وتاليتُها فى بيروت 1956 لأجل العدوان الثلاثى ودعم مصر فى مُواجهة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وصولاً إلى الأخيرة قبل نسخة البحرين، الرياض نوفمبر 2023، وقد دُمِجَت مع دعوة مُنظّمة التعاون الإسلامى فى فعّالية مُشتركة، على خلفيّة الوحشيَّة الصهيونية المُتفجِّرة نارًا ودمًا فى قطاع غزّة. يُمكن التأريخُ لأرفع مُنتديات العمل العربى المُشترك بالأزمات، فمن ناحيةٍ كان ثلثُ عددها البالغ 48 قِمَمًا طارئة، والعادىّ منها لم يخلُ من الموضوعات الساخنة وقضايا الضرورة. واليوم فى المنامة؛ يتّخذ الحدثُ صفةَ الدوريّة الروتينية، وتحتشدُ أوراقُه بباقة عناوين لها سِمةُ السخونة والإلحاح؛ وعليه فإنها العادىُّ الذى صار استثناءً، أو العكس. كعادة الإقليم ودُوَلِه طوال القرن الأخير.
ربما جديدُ الأمر أنَّ المملكةَ البحرينية تستضيف القمّةَ للمرّة الأُولى، وتترأّسها لثانى مرّةٍ بعد نسخة شرم الشيخ 2003. كان المشهدُ وقتَها مشحونًا فى العراق الشقيق، والتقى القادةُ مطلع مارس؛ فبحثوا رُزمةَ القضايا المُعتادة مُضافًا إليها حال بغداد، وشدَّدوا على تمسُّكهم بسلامة الدولة العراقية ووحدة أراضيها، واقترحت الإماراتُ أن يتنحّى «صدام» عن السلطة إنقاذًا للبلاد. وبعد أقلِّ من ثلاثة أسابيع وقع الغزو الأمريكى، وعاش العراقيّون فصولَ مأساتهم المُتتابعة لأكثر من عقدين. والمنامةُ اليوم أمام ظرفٍ قاهر كما فى رئاستها السابقة؛ لا لأنَّ إسرائيل كشَّرت عن أنيابها وأهرقت دماءَ الغزِّيين وهدَّمت بيوتَهم، وهذا مُتكرِّر منها منذ اختُرِعَت من العدم قبل ستٍّ وسبعين سنة، وكانت ذكرى اختراعها ونكبة الفلسطينيين أمس؛ إنما لأنها الحربُ التى تتزحزح ببطءٍ نحو مُواجهةٍ إقليمية شاملة، ويُعبِّر الاحتلالُ فيها عن أعلى مناسيب التوحُّش والهمجية، ويُبرز خُططه الخفيّة للإفناء أو الإجلاء، وتُلاقيه أطيافُ الأُصوليّة الإسلامية على مُغامرة التصعيد وإشعال المنطقة. والحقّ أنَّ المنظومةَ العربية فى حضورها الجماعى لم تضطلع بأدوارها كاملةً، ويقعُ العبء منذ «طوفان الأقصى» على كاهل القاهرة بالأساس، ثمَّ الأردن، مع ظهورٍ خافتٍ ومُتقطَّع لبعض العواصم، لا سيما فى مسارى الإغاثة الإنسانية أو التفاوض على التهدئة. وسيكون من مهامّ الرئاسة البحرينية أن تضعَ المسألةَ فى قلب اهتمامات المحفل الجامع، وأن تشتغلَ على تفعيل أدوار الجامعة ودُولِها الكُبرى، وتدفع لناحية تكثيف الضغط، أو إشراك العالم فى ورشة البحث عن حلولٍ عاجلة، وربما ابتكار مساراتٍ أكثر ديناميكيّةً وكفاءة فى تجديد مُبادرة السلام العربية، أو البحث عن بديلٍ أنضج وأقدر على الإقناع والتأثير.
ربما حان وقتُ النفاذ إلى الجوهر مهما بدا مُزعجًا، وإثارة الأسئلة المُعلَّقة لعقودٍ عن الغلاف العربى ومرافقه الوِفاقيّة. لقد جاءت الجامعةُ استجابةً لامتحاناتٍ وجوديّة صعبة؛ لا سَيرًا حُرًّا ناحيةَ التضامن والعمل المشترك على قاعدةٍ من الإيمان والاستحباب. انفكَّت قبضةُ العثمانيين فى عشرينيات القرن الماضى، والميثاقُ وقَّعته سبعُ دولٍ بدءًا من ربيع 1945، ما يعنى أنهم جاءوا مُتأخِّرين نحو ربع القرن تقريبًا. صحيح أنَّ أغلبيّة الأُسرة العربية ما كانت غادرت حظيرةَ الاستعمار بعد، لكنَّ المسألةَ ارتبطت فى الأساس بفلسطين؛ لذا كان الخمسةُ المُوقِّعون أوّلاً من دُوَل الطوق باستثناء العراق، وأُضِيفت السعودية واليمن لاحقًا.
ولو كان العملُ العربىّ طالعًا من رحم البيئة والثقافة، ومطلوبًا لذاته، أو نُظِرَ إليه من زاوية أنه رافعةٌ لتحقيق آمال المنطقة وأوّلها الاستقلال، لرَأينا ليبيا ودول المغرب وسلطنةَ عُمان على الأقلّ بين المُؤسِّسين. وقد سارت الأمورُ بالوتيرة نفسها لعقودٍ ثمانية: نقاط الالتقاء ثابتة، وعناصر الشِّقاق على حالها. كأنَّ الجامعةَ تأسَّست لقضيّة فلسطين حصرًا، ولصالحها كان أثمن ما أنجزته فى مضمارها، ولعلَّها الإسهاماتُ الوحيدة الصالحة للحساب بين الإنجازات، سواء بقرار تأسيس «مُنظّمة التحرير» فى قِمّتى القاهرة والإسكندرية 1964، أو بحَلِّ المُعضلة مع الأردن وتصفية أوراق «أيلول الأسود» فى القاهرة أيضًا سنة 1970. حتى قمة «اللاءات الثلاث» الشهيرة بالخرطوم/ أغسطس 1967، حضرت فيها مصر وسوريا؛ لكنّ الضفَّة وغزّة كانتا الأساس، واحتلال سيناء والجولان لم يكن بعيدًا من القضيّة الأُمّ وتفاعلاتها.. وربما باستثناء الغطاء العربى فى قمّة 1990 لتحالف تحرير الكويت، لا يُمكن التوقُّف أمام وفاقٍ ملموسٍ خارج الصراع مع الصهاينة، أو فيما يخصُّ التكامل العربى عمومًا.
غابت الديناميكيّةُ طويلاً عن الجامعة، أو بالأحرى غابت الرؤية. لقد رفضت قرارَ تقسيم فلسطين وانخرطت فى الحرب دون برنامجٍ سياسىّ؛ لهذا صار المرفوضُ أمرًا واقعًا كما أراده العدوُّ بالضبط بمُجرّد إسكات البنادق. ورفضت اتفاقيّةَ السلام وعلَّقت عضويّة مصر فى قمَّة بغداد 1978، ثمّ طرح ولى العهد السعودى وقتها، الأمير فهد، بعد ثلاث سنواتٍ فقط، فى فاس المغربية 1981، ورقةً للتسوية من ثمانى نقاطٍ، تدعو لتحرير أراضى النكسة مُقابل التعايش والتطبيع، وصارت لاحقًا مُبادرةً عربية للسلام طُرِحَت على قمَّة بيروت 2002 وقد صار الأمير فهد ملكًا، وتُجدَّد من وقتها بانتظام.. لا عُرِفَ سِرُّ التحوُّل السريع وقتها، ولا اعتذرت القمَّةُ وقادتها للسادات فى قبرِه، عن تأخُّر العربِ فى استيعاب ما ذهب إليه اختيارًا وحاولوا التماسَه مُضطرّين. وفى القائمة كثيرٌ من المُنعطفات الشبيهة، وعديدٌ من محطّات الفُرَص الضائعة. وإذا كانت المُؤسَّسات تكبرُ وتشيخ كالبشر؛ فالجامعةُ أحوج ما يكون الآن لتجديد الدماء والأفكار، وإعادة تأسيس العمل المُشترك على قاعدة المصالح التضامنية، وتوظيف أوراق القوَّة الفردية لخدمة المجموع، وأنْ يتبوّأ التكتُّلُ العملاقُ، جغرافيا وبشرًا وموارد، ما يستحقُّ فى مجاله الحيوى، وبين مُنظّمات العالم وقواه الفاعلة. لقد بدأ الأُوروبيّون وحدتهم بعدنا بأربعة عقودٍ تقريبًا، وحقَّقوا ما لم نُحقّق؛ ولعلَّهم وضعوا قدمَ الاتحاد على طريق المستقبل، وما زلنا نقف مع الجامعة فى أحراش الماضى.
دخلت أزمةُ غزّة شهرَها الثامن قبل أسبوعٍ تقريبًا، وأغلبُ الأداءِ العربىِّ على حال اليوم الأول؛ كأنَّ الحربَ ما أكلت كاملَ القطاع ولا أودت بحياة عشرات الأُلوف. تعطَّلت بعضُ مُداولات التطبيع، وزادت كثافةُ الرسائل الدبلوماسية ولم تتغيَّر لُغتُها. التحوُّل الوحيد ربما يحدثُ من الجانب المصرى؛ فكانت الدولةَ الأسرعَ فى التعاطى مع المسألة سياسيًّا وإجرائيًّا. أدانت الأعمال العسكرية، واحتضنت «قمّة القاهرة للسلام» لغرض تسويق رؤيتها لاحتواء الصراع، وإعادة «حلّ الدولتين» إلى الواجهة الدولية بعد تجاهل ٍطويل. نجحت فى تليين التشدُّد الإسرائيلى، وإنفاذ المساعدات، وقدَّمت تسعةَ أعشارها القوافل تقريبًا. نشطت الدبلوماسيةُ المكوكيّة فيها على كلِّ المُستويات، وأجرى الرئيسُ السيسى عشرات اللقاءات والاتصالات؛ لتثبيت الموقف العربى ومُعادلة جنون الاحتلال، ولم يُفوِّت مُناسبةً داخلية أو خارجية لتأكيد الثوابت القاضية بإنهاء الحرب ورفض التهجير، وأنه لا مجال لتصفية القضية فى كلِّ الأحوال، ولا مسار إلَّا الحلول السياسية المُستندة إلى الشرعيّة الدولية والحقوق العادلة.
رَعَتْ القاهرة المُفاوضات، وأنجزت هُدنةً إنسانية أُولى فى نوفمبر الماضى، ثمَّ اشتغلت لشهورٍ على تجديدها؛ رغم العَنَت والمُناورات. وإزاء مُمارسات السُّلطةِ العِبريّة وألاعيبها؛ انتقلت من حال الهدوء إلى الدبلوماسية الخَشنة، ورفضت التنسيقَ مع تل أبيب بعد دخول رفح والسيطرة على الجانب الفلسطينى من المعبر، وأعلنت اعتزامَها التداخل فى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ووجَّهت رسائلها الساخنة لواشنطن وبقيّة حُلفاء إسرائيل الغربيِّين بشأن خطورة الموقف، وانفتاحه على كلِّ الاحتمالات، وأنها إذا كانت ترى «اتفاقية السلام» خيارًا استراتيجيًّا؛ فقد صارت مُعلَّقةً على سلوك الطرف الآخر، والوفاء بالتزاماته، ولو كان ثمَّة ما يُهدِّدها فإنه من الجانب المقابل. هذا المسارُ الديناميكىّ الصاعد لا تُوازيه حركةٌ عربية نَشِطة، وسيكون على القمَّة والرئاسة البحرينية، الاضطلاع بوَضع المسألة ضمن موضوعات النقاش؛ ولو فى الكواليس وبعيدًا من الجلسة العلنية وبيانها الختامى.
المعروف أنَّ مشروع البيان يبدأ فى اجتماعات المندوبين الدائمين، ويُصاغ على المستوى الوزارى، ولا تُرفَع المسائلُ الخلافيّة غالبًا إلى القادة. لكنَّ التفاصيل كلّها تظلُّ حاضرةً فى أروقة القمَّة، وثنايا اللقاءات الثنائيّة والمُوسَّعة. وثمّة موضوعات قد صارت من ثوابت القِمَم، لا سيّما دَعم الأعضاء فى اشتباكاتهم الخارجية، والأراضى المُحتلَّة أو المُتنازَع عليها، ومسائل الأمن الإقليمى، والحضور أو المنافسة فى المحافل الدولية. ستدعم القمَّة بالضرورة جُزَر القمر فى ملف جزيرة مايوت، والإمارات فى الجزر الثلاث، والصومال فى اتفاق إثيوبيا مع أحد أقاليمها على اقتطاع ميناءٍ من سواحلها، وجيبوتى فى نزاعها الحدودى مع إريتريا، فضلاً على الثابت الدائم فى الجولان والمزارع اللبنانية، وعلى الدعوة للتهدئة واستعادة الشرعية فى اليمن وليبيا، وإسناد مصر والعراق فى ملفى الأنهار والمياه، وتزكية المُرشَّحَيْن المصرى والجيبوتى لليونسكو والمُفوِّضية الأفريقية. وكلُّها مواقفُ محمودةٌ ومطلوبة؛ لكنَّ القضايا الأكثر جدّيةً واستعجالاً فى فلسطين وسوريا والسودان تتطلَّب أفكارًا مُحدَّثَة، وإجراءاتٍ عمليّةً لتجاوُز الانسداد والمُناكفات، ودفع الأُمور المُعقَّدة على طريق الحلِّ.
المسألةُ الجيوسياسية من قضايا الضرورة والإلحاح. إذ تتشابكُ خيوطُ الإقليم وتتصارع عليه عدَّة أجندات، وما بين دول الاعتدال الساعية للاستقرار والتنمية وترقية التجارب الوطنية الناهضة، والطامعين فى مكاسب اقتصادية وأمنية تحت راية الأُصوليَّة أو ظِلِّ السلاح؛ يتطلَّبُ الظرفُ مُقاربةً أكثر عُمقًا وفاعليّة، وأقدر على المُوازنة بين حاجات الحوار وضبط الخلافات، وأولويّات الحَسم ورَسم الحدود والخطوط الحمراء. ما تزال رواسبُ «الربيع العربى» قائمةً فى بعض البيئات، والمحاولاتُ لا تهدأ لإعادة إنتاجها فى بيئاتٍ أُخرى. والمُفارقة أنَّ البحرين نفسَها كانت على حَرفٍ منها، ونجحت بإسنادٍ عربىٍّ خليجىّ فى عبور رياحها الساخنة. والقمَّةُ اليوم تُعقَدُ فى أقرب نقطةٍ عروبيّة من ضِفَّة الخليج المقابلة، هناك فى إيران بما تحمله من رؤىً عرقيّة ومذهبية لا تنسجمُ مع كثيرٍ من ركائز المنطقة ومصالحها، ويتقاطعُ هذا مع تفاصيل حيويّةٍ تخصُّ العراق وسوريا واليمن ولبنان، ومُناوشات تُلامِسُ حدودَ الأردن وبعض دول مجلس التعاون. وسيكون ضروريًّا أنْ يتّفق القادةُ على رؤيةٍ جامعةٍ لإدارة الصراع؛ دون تفريطٍ فى الثوابت أو انزلاق إلى الصدام، ودون سدٍّ لأبواب الحوار والتوافُق المُمكِنة. والحال نفسها فيما يخصُّ شمالى سوريا والعراق؛ إمَّا بالقواعد العسكرية أو الميليشيات أو انتهاك التراب الوطنى.
استعادت سوريا مقعدَها فى قمَّة جدّة قبل سنة، وعُلِّق التفعيل الكامل على مبدأ «خطوة مُقابل خطوة»، وحلحلة العناوين العالقة بالتقارُب المُتدرِّج لتذويب الخلافات وتصفية الملف، وإلى الآن يبدو التقدُّم بطيئًا وتأجَّلَ اجتماعُ لجنة المُتابعة الخماسية، ولم يتوقَّف تهريب الكبتاجون أو يعود اللاجئون. وحرب السودان دخلت عامَها الثانى، ولا أُفقَ لها منذ بحثتها القمَّة الماضية، أو عبر شهورٍ من جولات منبر جدّة، بينما تستعرُ الحربُ التى قتلت زهاء 15 ألفًا وهجَّرت تسعةَ ملايين بالداخل والخارج. أمَّا عُقدةُ العُقَد فى غزّة فلا تتفاعلُ معها غالبيّة البيئة العربية بالقدر المطلوب، ولديهم؛ حالَ اتفاق الرؤية، أوراقُ ضغطٍ عديدة على الاحتلال ورُعاته وداعميه، وإمكاناتٌ فاعلةٌ لناحية المُصالحة الفلسطينية وقَطع خطوط اتّصال بعض الفصائل مع محاورَ وتحالُفاتٍ راديكاليّة، إثنيّة أو مذهبيّة، مُضادّة للإقليم. سيكون مُهمًّا تحديثُ ورقة المبادرة العربية للسلام وإعادة طرحها؛ إنما الأهمُّ التحرُّك لوَقف المَقتلة وافتتاح مسارٍ سياسىٍّ مُثمر، ربما يبدأ من الدعوة لمؤتمرٍ دولى بحضور الوسطاء والضامنين ومُنظّمة التحرير، والسعى لترويض حماس وشُركائها الغزيِّين وإدخالهم فى الميثاق الوطنى. كما يتعيَّن تكثيف الجهود لناحية تحريك المياه الراكدة مع دمشق، وإبعادها عن دائرة النار المُهيمنة على قرارها، والدخول على خطِّ الصراع فى السودان بكلِّ أوراق التأثير المُتاحة، بدءًا من الحوار والإغراءات، وإلى اتخاذ مواقف جادة لإقناع الفُرقاء وكَبح التدخُّلات الخارجية. الأعباءُ ثقيلةٌ والحلول ليست سهلة؛ إنما الواجب البحث عن مُقارباتٍ غير تقليدية بينما تتّخذ النزاعات صُورًا مُركّبة، وحتى لا نظلَّ طويلاً فى نطاق الاستثناء؛ حتى فى القِمَم العادية.
بذلت مملكةُ البحرين جهودًا ضخمة لإنجاح محفلها، وأمانة الجامعة كذلك. والأخيرةُ عليها عبءٌ صار من عاديات الأيام ومكرورها؛ إذ لا تسمحُ لها طبيعةُ المُؤسَّسة بأكثر ممَّا يُنجزه فريقُها بالفعل. يفرض ذلك البحثَ عن سياقٍ عروبىٍّ جديد؛ باللغة والأثر لا بالمأسسة والبناء. فالجامعةُ ما تزال منصّةً صالحةً للعمل المشترك؛ إنما المطلوب أن يدخلَ الجميعُ فيها بحقِّ الشراكة والتعاون الكاملين، والنزول عن شىءٍ من البرامج الوطنية الخاصة لصالح أشياء من البرنامج القومىّ الجامع. كلُّ امتحانات العرب صعبةٌ وقاسية منذ افتتحوا تجربتهم، والعام المُقبل تُتِمُّ عقدَها الثامن؛ لكنَّ الحقبةَ الراهنة تُواكبها الفرصُ بقدر ما تُغلِّفها المخاطرُ والتحدّيات، والولاداتُ الاستثنائيّة المُدهشة تأتى دَومًا من رحم الأزمات.. ولعلَّها اللحظة المُلاءمة الآن لشَحذ الطاقات، وترصيص الصفوف، وترقية كلِّ الجهود بما يعود على المنطقة ودُوَلِها جميعًا بخَير الوِفاق، ومنافع الكلمة الجامعة، وصِدق التضامن والاتحاد.