هناك أشخاص لا يستطيعون تخيل أن غيرهم قد احتل مكانهم، فهم يظنون طيلة الوقت أن مكانتهم محفوظة، وأن ما تركوه بملأ إرادتهم سيعود لهم حينما يُقرروا ذلك، فهؤلاء يعيشون في حالة من مرض الشغف بأنفسهم، فهم يعشقون ذواتهم لدرجة الهوس، ولا يتخيلون أنه بالقطع هناك مَنْ يحتل مكانتهم بمنتهى القوة، بل إن هذه المكانة لم تكن لهم من قبل، لأن ما كان لك وفرطت فيه، تيقن أنه ليس لك من الأساس، لذا أندهش من العلاقات الإنسانية التي يسعى أحد أطرافها لدمارها، ثم يعود ليستعيدها مرة أخرى، وكأن ما تركه مملوكًا له ومكتوبًا باسمه، فكل هذه السلوكيات تنم عن مرض نفسي يكمن بداخل مَنْ ينتهج هذا الفكر.
فالحياة دوارة، وما كان لك بالأمس، أصبح لغيرك اليوم، لذا لا تفرطوا في نعم الله عليكم، ولا تتكبروا عليها، ولا تنظروا لها بنظرة تعالٍ وكبر، ولا تغتروا بإمكانياتكم، فكل هذا ما هو إلا بضعة أوهام، خلقتها النفس الحمقاء، لكي تُقنع ذاتها بأنها الأعلى، وللأسف، مَنْ يسير خلف أهواء نفسه، يخسر كل شيء، فكم من حبيب خسر حبيبه، وكم من أم خسرت أبناءها، وكم من صديق خسر صديقه، بسبب كبرهم، ورهانهم على تحمل الآخرين لحماقاتهم، وتناسوا أن الحبيب المظلوم سيجد حبيبًا آخر مخلصًا يُعوضه عن كل ما ألم به من آلام وجراح، وأن الأبناء سيُعوضهم الله بأم حنون تملأ حياتهم بالحُب والحنان، وأن الصديق سيجد الخل الوفي الذي يجعله يقول بملأ فيه: "رُبّ أخ لم تلده أمك".
ولكن المُؤسف أن يعود هؤلاء ويبحثون عن مكانتهم القديمة، ويظنون أنهم سيجدونها كما هي، ولا يعتقدون أن هناك مَنْ حل محلهم، وتربع على عرش القلب، وصدق مَنْ قال أن كل مغرور يكتب نهايته بيده، وأول خطوة في الغرور، هي اعتقادنا أننا تملكنا قلوب غيرنا إلى ما لا نهاية، ومهما فعلنا، سنُعيد مكانتنا.
وأخيرًا، نصيحتي لكل إنسان أن يُفكر ملايين المرات قبل أن يظن نفسه قادر على ترويض قلوب البشر، فالقلب لا يُروضه إلا الصدق والحب والإخلاص، أما ما دون ذلك فهو مجرد هراء لا طائل منه ولا جدوى، وتذكروا أن الآخرين قد يحتملون لفترة من الزمن، ولكنهم إذا غابوا وانسحبوا، فلن يعودوا، لأن ذهابهم يكون بلا رجعة، لذا حافظوا على نعمة المكانة في قلوب البشر.