مها عبد القادر

الأزهر الشريف.. منارة الوسطية

الأربعاء، 22 مايو 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

المتمعن في تاريخ أزهرنا المشرف يوقن أنه عاش وتعايش الأحداث وقدم ما يدون بسطورٍ من ذهبٍ وأحرفٍ من نورٍ؛ فقد دافع عن شرف وكرامة وحرية الأمة في شتى المحن وفي أصعب المواقف وأجلها، وهذا من منطلق رسالته الخالدة التي تقوم على السلم والسلام ونشر العلم وتقويم المعوج وتعضيد العقيدة السمحة لدى جموع شعوب العالم، كما أن الصرح الشامخ لم يتخل عن مسئوليته الأصيلة والتي تتمثل في تكريس ماهية الحرية في صورتها الصحيحة البناءة والمسؤولة؛ لتنهض الأوطان بعزةٍ وثقافةٍ وحضارةٍ يشاد لها بالبنان ويدحض الذل والخزيان ويحل محله إيمانٌ ينير القلوب والوجدان.

وتواكب مؤسسة الأزهر جامعًا وجامعةً الأحداث الجارية بكل اهتمامٍ وتقدمٍ كل ما تسطيعه من رؤيً ثاقبةً ودعمٍ لوجيستيٍ من أجل نصرة الحق وأعلاء شأنه وحفظ دين الله والذود عنه بالرد وردع أصحاب النفوس الضعيفة، كما تفتح أذرعها لاحتضان المستضعفين وأصحاب العوز من كل حدبٍ وصوبٍ، وتغمر صفاء الكون بفكرٍ راقٍ يقوم على الوسطية ويعزز قيم الإنسانية القويمة ويغرس في الأذهان حب الإعمار والأخذ بأسبابه ومسبباته لتضاء الدنيا بمشاعل الأمل والخير والتعاون والسلام، التي تقضي على مقومات الكراهية والتعصب في زمان أصبح فيه القوي يقهر الضعيف ويجحفه حقه ويستنكر مطلبه المشروع.

ويتكاتف الأزهر مع مؤسسات الدولة المصرية؛ حيث يعني بترسيخ ماهية الولاء والانتماء لتراب الوطن الغالي بصورةٍ لا لبس فيها ولا مراء؛ حيث يؤكد خطابه العذب على نبذ أسباب الفرقة ومسببات العصبية والتعصب لأمورٍ واهيةٍ في مكنونها، ويمقت الخلاف والجدل العقيم، ويؤكد على أهمية الحوار الهادف والبناء الذي يقارع فيه الحجة بالحجة ليتكون الفكر القويم والوسطي والذي يحض صاحبة على التعامل بحسن الأخلاق والتآخي مع الآخرين، ويزرع في سلوكياته منابع الخير؛ ليترك في النفوس طيب الأثر.

ومن المظاهر قاطعة الدلالة في وسطية مؤسسة الأزهر الشريف اهتمامه البالغ بشأن رفعة المرأة منذ فجر التاريخ؛ حيث فتح أبوابه على مصراعيها، كي تنهل من فيض علم العلماء وتتجرع الفضيلة التي تجعلها صاحبة رسالةٍ ساميةٍ في أسرتها ومحيط مجتمعها، وتصبح لها كرامةً تكتسبها من عطاءٍ منهمر لا يتوقف؛ لتخرج للمجتمع أجيالٌ تحمل الفضيلة وتستطيع أن تكابد لتحيا حياةً كريمةً وتقدم أفضل ما لديها لتبني وتعمر وتصون مقدرات الوطن وتحافظ على ترابه.

وبما أن الواقع يعبر عن بيان لفلسفة هذه المؤسسة العريقة، نرى أن تمكين المرأة بالأزهر سبق الجميع؛ إذ شغلت فيه ومن خلاله مهامًا ومسئولياتٍ عديدةً ومتعددةً؛ فها هي بنت الأزهر أستاذة جامعية وسفيرة للأزهر وتحمل على عاتقها تقديم خدمات للمجتمع في شتى المجالات، وها هي صاحبة الرسالة الدعوية التي تسهم في شمولية شعاع النور وذيوع المعرفة الرصينة في أذهان مريديها؛ فتسمو الأنفس وترقى لمقامات الهدى والتقوى في عالمٍ صارت المادية شبحًا يهدد أمنه واستقراره وتزيد من مشكلاته وتحدياته وتعمق من همومه.

ووسطية أزهرنا تكمن في سماحته التي ترجمها علماؤه أصحاب الفكر المعتدل والرأي السديد المجددين في تناولهم لقضايا مجتمعهم بما يبلي احتياجاتهم ويحافظ على أصول وثوابت الدين؛ فهي خطٌ لا يقترب منه أصحاب العقل والفطنة؛ فعندما تشتعل الفتن وتلتهب النيران التي تحض على الفرقة والكراهية، يأتي الأزهر بكل طمأنينةٍ ليقضي على جذورها وفق ما نادت به الرسائل السماوية السمحة التي تؤكد على ضرورة التماسك والتضافر ونبذ الغلو؛ فقد ثبت أن التطرف ينتج عن فكرٍ منحرفٍ تشوبه الشوائب.

إن ماهية الاستخلاف في الأرض تأكدت من مقدرة على الإعمار، ولن يحدث ذلك إذا ما تفشت الكراهية وعمت الشحناء والبغضاء وتأصلت النفعية المقيتة بين بني البشر، ومن ثم جاء الأزهر بدعوته ورسالته الأبدية ليؤكد على أن الوحدة والرباط تقوم على المحبة والسلم والسلام وسبل الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والارتقاء بفكر الإنسان كي يتحمل مسئولياته اللامتناهية تجاه وطنه وعالمه الذي تنهمر فيه مشكلات وتحديات تحد من تحقيق التنمية في إطارها الطبيعي.

ولمن لا يعلم نقول إن رسالة أزهرنا في الداخل مهمةٌ، وفي الخارج أكثرُ أهميةً؛ حيث يحتضن طالبي العلم ومريديه من دول العالم قاطبةً، ويقدم لهم المعونة في صورها المختلفة؛ فنراها في برامجه المتفردة، وتعاملاته التي تحمل الود والمحبة والرعاية والاهتمام، ومن ثم يساهم بكل قوةٍ في تدشين أذهانٍ تحمل وسطية العقيد السمحاء وتؤسس للاعتدال في أمور الحياة، وتبغي مرضاة رب العباد، وتبدو الثمرات يانعة نتلمسها في رشد إنسان يمتلك وعيًا صحيحًا على المستوى العقائدي، والسلوكي، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي.

حفظ الله بلادنا وأزهرنا الشريف وقيادتنا الرشيدة وشعبناً الآبي، وكل شعوب العالم أجمع.
__________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر


 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة