أى مراقب لسلوك الاحتلال الإسرائيلى الحالى، يمكنه أن يرى - بسهولة - كيف أصيب الاحتلال بعصبية تدفعه لمطاردة الدول الأوروبية التى تعترف بالدولة الفلسطينية، وقد أدى قرار إسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين إلى تحولات كبيرة فى العلاقات الدبلوماسية بين مدريد وتل أبيب، وجاء هذا القرار ضمن إطار أوسع تسعى من خلاله إسبانيا ودول أوروبية أخرى مثل أيرلندا وسلوفينيا ومالطا إلى تعزيز الاعتراف بدولة فلسطين على الساحة الدولية، كما أدى الاعتراف بدولة فلسطين من قبل إسبانيا إلى توترات دبلوماسية كبيرة مع إسرائيل كرد فعل على قرار مدريد، الذى كان جزءا من جهد أوسع إلى جانب دول أوروبية أخرى مثل أيرلندا وسلوفينيا ومالطا، واتخذت إسرائيل إجراءات انتقامية، من بينها، حظر القنصلية الإسبانية فى القدس من خدمة الفلسطينيين فى الضفة الغربية.
فى المقابل، رفضت إسبانيا السماح للسفن التى تحمل أسلحة إلى إسرائيل بالرسو فى موانئها، ويبدو أن هذا التحرك جزء من استراتيجية إسبانيا الأوسع لتولى دور قيادى داخل الاتحاد الأوروبى فى قضية فلسطين من خلال الاعتراف بالدولة.
وهددت إسرائيل بعقاب الدول التى اعترفت بالدولة الفلسطينية، وأعلنت الخارجية الإسرائيلية، أن علاقات إسرائيل مع النرويج وأيرلندا وإسبانيا ستواجه «عواقب وخيمة» بعد أن قررت حكوماتها الاعتراف بدولة فلسطين.
هذه الهستيريا الإسرائيلية ليست ضد إسبانيا وحسب، بل إنها تتسع لتشمل كل دولة أو مسؤول يدين جرائم إسرائيل، أو يؤيد الدعاوى المرفوعة ضد الاحتلال الإسرائيلى أمام محكمة العدل الدولية أو قرارات «الجنائية الدولية» بالقبض على عدد من المتهمين بالقتل فى فلسطين من قادة إسرائيل.
وبجانب هذه الهستيريا، فإن إسرائيل تلجأ إلى ترديد الاتهامات والأكاذيب بحثا عن شماعات تعلق عليها أسباب الفشل فى عقد الهدنة أو وقف إطلاق النار، واستمرار عدوان بلا أفق، وحتى العمليات العسكرية فى رفح، لم تسفر لا عن استعادة المحتجزين بالحرب، ولا عن القضاء على حماس والمقاومة، فقط أنتجت المزيد من المذابح والدمار والإبادة ضد الفلسطينيين فى غزة، ومؤخرا أعلن الاتحاد الأوروبى رفض تصنيف الأونروا كمُنظمة إرهابية، وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، إن الاتحاد يرفض أى محاولة لتصنيف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» كمنظمة إرهابية، وهو استكمال لمواقف أوروبية تختلف بشكل كبير من مطالب ومساعى ومزاعم الاحتلال الإسرائيلى، حيث سبق وأعلن بوريل «فى كل مرة يتخذ فيها أحد قرارا بدعم دولة فلسطينية، يكون رد فعل إسرائيل تحويل الأمر إلى معاداة للسامية»، وأن السلطة الفلسطينية ليست «حماس».
الشاهد أن بنيامين نتنياهو عجز عن تحقيق أى أهداف غير قتل المدنيين من الأطفال والنساء، وفشل فى تحقيق أى من وعوده أو أهدافه باستعادة المحتجزين، أو القضاء على المقاومة، وأضاع فرصة الهدنة التى قدمتها مصر، وبدأ عمليات عسكرية فى رفح، فردّت مصر برفض التعامل مع الاحتلال، فى معبر رفح، وحرصت على أن يكون هناك تنسيق أممى لدخول المساعدات إلى غزة، وحمّلت الاحتلال مسؤولية الحصار والتجويع والقتل المتعمد بالجوع ومنع الغذاء والدواء عن أهالى غزة، بل وتمسكت بذلك أمام محكمة العدل الدولية بعد قرارها بالانضمام إلى جنوب أفريقيا فى دعواها التى تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وتصفية عرقية ضد سكان غزة.
كل هذا أثار غضب الاحتلال ونتنياهو الذى لجأ إلى حيلة الكذب، وبعد أن ردد أكاذيب عن تسرب سلاح للمقاومة أو إغلاق المعبر، وبسبب عجز الاحتلال عن تنفيذ أى أهداف، لجأ إلى أكاذيب جديدة حول وجود أنفاق على الحدود مع غزة، وهو ما نفاه مصدر مصرى رفيع المستوى، مؤكدا أن هناك محاولات إسرائيلية مستمرة لتصدير الأكاذيب حول الأوضاع الميدانية لقواتها فى رفح، بهدف التعتيم على فشلها عسكريا.
والواقع أن الفشل العسكرى يرافقه فشل سياسى ظهر فى العصبية والهستيريا التى يتعامل بها الاحتلال مع دول العالم الداعمة لـ«الدولة» الفلسطينية وحقوقها.