ليوسف إدريس كتاب بعنوان جبرتى الستينيات وفى هذا الكتاب يتطرق إلى عدد من الموضوعات منها الأوبريت الذى لم يلحنه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وهو ما رآه ظاهرة غريبة واليوم فى ذكرى رحيل عبد الوهاب نتذكر ما كتب حيث يقول: الصديق أحمد حمروش من أكثر الناس محافظةً على شعور الآخرِين، وأعتقد أنه لهذا السبب وحده، وليس لأية أسبابٍ أخرى كَتبَ يستنكر ما قُلتُه عن الموسيقار محمد عبد الوهاب والأوبريت، واصفًا طريقتي بأنها تُشبِه طعن الخناجر والسكاكين، معتقدًا أنها نوعٌ من مهاجمة الفنانِين المشهورِين طلبًا للشهرة ربما، مُؤكِّدًا أن عبد الوهاب غير مسئولٍ أو مُقصِّرٍ إلى آخرِ ما ورد في يومياته.
ورغم علمي أن الصديق أحمد حمروش قليل الأخطاء، فإني أعتقد أنه — في حماسه للدفاع عن عبد الوهاب — قد تورَّط في عددٍ منها؛ فهو قد أخطأ مثلًا حين تصور أني «هاجمتُ» عبد الوهاب. إن الهجوم لا يكون إلا بتحامُلٍ على شخص بلا سببٍ واضح. فرقٌ كبير بين هذا وبين نقد شخصٍ ما ولأسبابٍ حقيقيةٍ وواقعة، خاصةً إذا كان هذا الشخص فنانًا كبيرًا كعبد الوهاب له أَثرٌ بالغ الخطورة في موسيقانا وتطوُّرها، ومن هذه الزاوية تحدثتُ عن عبد الوهاب إذ إن شخصه لم يكن في اعتباري مُطلقًا وأنا أكتب، لقد قُلتُ ما قُلتُ وأنا أُبدي وجهة نظرٍ في المسرح الغنائي بماضيه وحاضره ومستقبله، وإن كنتُ قد تعرضتُ لعبد الوهاب فلأن عبد الوهاب هو الذي عرَّض نفسه وأخذ على عاتقه مهمة تلحين أوبريت لهذا المسرح.
ولو كان عبد الوهاب قد لحَّنها لكنتُ أول المُصفِّقِين له والمُهلِّلِين، ولكن عبد الوهاب لم يقم بهذه المهمة ولم تكن هذه أولَ مرةٍ تتعالى فيها الأصوات مطالبة بالأوبريت ويأخذ عبد الوهاب على عاتقه مهمة تقديمها، ولا يُقدِّمها، وما على الصديق حمروش وكل من يهمه الأمر إلا أن يُراجع الصحف خلال ربع القرن الماضي ليجد أنه في كل مرةٍ قامت ثورةٌ فنية تطالب بالأوبريت كان عبد الوهاب على رأس المُؤيِّدِين لها المُتطوعِين بتقديمها، وتكون النتيجة أن تسكُت الأصوات ولا تلبث أن تهدأ الضَّجة وتموت، أليس لي الحق بعد هذا أن أتصوَّر الوضع على أن عبد الوهاب غيرُ جادٍّ في وعده هذه المرة. أيُعَد تصوُّري حينئذ طعنًا في عبد الوهاب وانتقاصًا من شأنه؟ إن الطعن في عبد الوهاب يكون بنقد نوع الموسيقى والألحان التي يُقدِّمها فعلًا، أما أن نقول إن عبد الوهاب ليس ملحن أوبريت فليس طعنًا فيه أبدًا إلا إذا كان عدم الكتابة للمَسرح يُعَد طعنًا في نجيب محفوظ، وعدم التأليف للسينما يُعَد طعنًا في توفيق الحكيم. إنه ليس طعنًا ولا انتقاصًا لسببٍ بسيط، أنه حقيقة واقعة؛ إذ الحقيقة أن عبد الوهاب قد لحَّن مئات الأغاني والمواقف العاطفية ولكنه لم يُلحِّن أوبريت واحدة، إذا كانت المطالبة بأن يُعهَد لموسيقارٍ آخر كأحمد صدقي أو عبد الوهاب نويرة أو غيرهما من الموسيقيِّين بمهمة تلحين الأوبريت، فلسببٍ بسيطٍ أيضًا لأنهما لحَّنا أوبريتات فعلًا، وقُدِّمَت على المسرح وشاهدها الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة